صعود أقصى اليمين فى الولايات المتحدة الأمريكية أو التقدم الملحوظ لأحزاب أقصى اليمين الأوروبية هز ثوابت كنا كشرقيين تعايشنا معها وبالذات فى موضوع المهاجرين أو المهجّرين إذ إن الولايات المتحدة كانت فاتحة ذراعيها لكثيرين حتى أصبح للهجرة مثل الليتورى أى الهجرة العشوائية لتكون الهجرة هناك ضربة حظ، كما أن القيم الأوروبية هى استقبال المهاجرين. وكم من المهاجرين من المغرب والجزائر ولبنان وغيرها ذهبوا إلى أوروبا باحثين عن لقمة العيش الكريم والأوربيون كانوا يرون فيهم العمال الذين يعملون فيما لا يريد صاحب البلد الأوربى العمل فيه. كل ذلك تغير فجأة بل يتساقط مع الأخلاقيات الفاسدة للسياسيين الغربيين مثل على ذلك فرنسا فكل سياسى له فضائحه بدءا من ساركوزى إلى فيليون ومارى لوبان وغيرهم.
يبدو الكلام على القيم، أحيانا، كأنه عظة. وعندما يبدو كذلك، تكون النتيجة السقوط، لأن القيم ليست بضاعة، أو سلعة، بل درب يُسلَكُ فى بناء الأمم. وعندما تفرغ الكلمات الجوهرية من معانيها، تصبح الجوهريات نفسها بلا معانٍ. وكانت الانتخابات فى الدول السوية تجرى من أجل تأكيد وحدة الشعوب وقوانينها ودساتيرها، بصرف النظر عمن يخسر أو يربح. لكنها الآن شقت المجتمع الفرنسى وكذلك المؤسسة الأمريكية، على نحو لم يعرف منذ الانقسام حول فيتنام فالرئيس الجديد لا يتردد فى اتهام معارضيه من الناخبين بالتزوير، ولا يتردّد فى اتهام القضاء، ويهاجم الإعلام الذى يحاول الحفاظ على سمعة القانون والدستور، بأنه مسيّس.
وكان مصطلح التسييس قد شاع عندنا فى الشرق. فكلما قتل أحد هبت على الفور أصوات تدعو إلى عدم «تسييس الجريمة»، كأنما القتيل فنان تشكيلى أو عضو فى لجنة مهرجانات ويتحدث رئيس أمريكا اليوم بلغة خارجة على المقبول. فإذ يقال له ــ بطريقة غير مؤدبة هى أيضا ــ أن صديقه بوتين قاتل، لا يدافع عنه بالنفى، بل يرد بأن فى أمريكا قتلة أيضا! وبدل أن يقول إنه سوف يطلب محاكمة هيلارى كلنتون، قال إنه سوف يرسلها إلى السجن. وحدث الأسوأ عندما قال بعد فوزه إنه قرر العفو عنها. أى أن القانون ليس سوى «لعبة» بين أصابع الرئيس، وليس ضمانة لأصحاب الحقوق. وبدل أن يفاخر ترامب بموقف القضاة وشجاعتهم، قرر أن يفعل ما يفعله دائما: الملاكمة. والسياسيون يتعلمونها قبل أن يتعلموا البنود نفسها. لذلك، حيث يضعف أواصر الوحدة الاجتماعية والوطنية.
علينا أن نعرف نحن فى مصر أو فى الشرق أن القيم التى كانت فى الماضى والتى كان يتفاخر بها الغربيون لم تعد من أولوياتهم ولكنها من أولوياتنا لأننا نريد إقامة العدل أو الحق والسلام للجميع.