أسئلة ناعمة وإجابات صادمة - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:13 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة ناعمة وإجابات صادمة

نشر فى : الأربعاء 25 مايو 2011 - 8:37 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 مايو 2011 - 8:37 ص

 طرت إلى بيروت ومنها إلى دبى لأداء مهام معلنة ولكن أيضا لتلبية رغبات غير معلنة.

تصدرت قائمة المهام البيروتية المعلنة مهمة المشاركة فى أعمال مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وتصدرت قائمة مهام الإمارات العربية المتحدة المعلنة مهمة المشاركة فى أعمال المؤتمر السنوى لمنتدى الإعلام العربى واجتماع مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية.

فى سابق الأيام، كانت الرغبات غير المعلنة فى الرحلات خارج الوطن تتباين من دولة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى. هذه المرة لم تتعدد كالعادة ولم تتباين
.

•••


كانت الرغبات التى شجعتنى على القيام برحلة هكذا طويلة وفى هذا الوقت المشحون بالتوتر رغبات قليلة العدد ولكن شديدة الإلحاح.

أردت أن أحصل على انطباعات، لا أكثر، عن التغيرات التى طرأت على جوهر تفكير جماعات معينة من البشر ومجتمعات بعينها نتيجة تعرضها لرياح الثورات العربية. لم يكن كافيا أن ألاحظ نظرات مختلفة فى عيون ضباط الجوازات والجمارك فى المطارات التى نزلت بها. فقد رأيت هذه النظرات فى رحلات سابقة، نظرات اختلط فيها الإعجاب بالفضول، إعجاب بما حدث فى مصر وفضول لمعرفة كيف حدث وإلى ماذا سيؤدى.

كذلك لم يكن مشبعا للرغبة أن أستمع إلى ما يشبه أغانى الحب والوجد فى الثناء على ما تحققه مصر بين الحين والآخر وما يحققه الإنسان المصرى الجديد، وفى الإعراب عن الانبهار بمحافظته على خفة الظل وروح الفكاهة.

ذهبت لأشاهد بنفسى العلامات التى خطتها الثورات على أرض الواقع فى مجتمعات أخرى غير تلك التى نشبت فيها، ولأتعرف على طموحات ناشئة لدى جيل عربى جديد، وعلى أفكار قادة دول وتيارات فى دول لم يكن التفكير فى أمور بعينها مسموحا به فيها ليس فقط بين الفرد وأقرانه ولكن أيضا بين الفرد ونفسه إذا اختليا.

•••


تأملت ضواحى بيروت بينما الطائرة تدور حول مطارها فى انتظار السماح لها بالهبوط.. تغيرت معالم هذا الجانب من الضواحى. رأيت مبانى سكنية وقد علت طابقا أو طابقين خلال الشهور القليلة الماضية، ولاحظت مبانى جديدة تشيد أو فى مرحلة متقدمة من البناء. لو أن شخصا آخر كان فى مكانى لاعتبر هذا النشاط المعمارى دليلا على نمو اقتصادى فى بلد ينتعش. أما أنا فقد رأيته علامة على فوضى عارمة. فالمنطقة التى يجرى فيها البناء والتعلية تقع داخل «حوض المطار»، وبعض المبانى الجديدة شيدت متاخمة لممر تهبط عليه الطائرات القادمة وتصعد منه الطائرات المغادرة.

سألت وكانت الإجابة صادمة ومؤلمة: إنها ثورتكم يا صديقى، كسرت عندكم الخوف ووصل إلينا منها رذاذ يحطم قواعد ويغير الجغرافيا ويهدم بعض القيم الوطنية لصالح اعتبارات بعضها فوق القومية وأكثرها دونها.

•••


وصلت إلى الفندق حيث تنعقد جلسات مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وكان مطروحا كموضوع رئيسى علاقة الثورات العربية بمستقبل الشعوب فى الشرق الأوسط. كانت جلسة مثيرة والمناقشات رفيعة المستوى. انتهزت فرصة الاستراحة بين جلستين لأنفرد بصديق لبنانى أملا فى أن يشبع فضولى لمعرفة أسباب انعقاد مؤتمر القمم الروحية فى لبنان و أصداء البيان الذى خرج عنه. كنت فى الصباح قد شاهدت على شاشات التليفزيون جميع القيادات الدينية اللبنانية وهم يودعون بعضهم البعض فى ألفة، ولكن بتوجس واضح. خشيت أن يكون وراء الاجتماع ما يمكن أن يثير حربا أخرى فى لبنان، لذلك كان اهتمامى بالسؤال، خاصة أن مذيع النشرة الإخبارية ألمح إلى أن المؤتمر عقد على عجل.

هنا أيضا كانت الإجابة صادمة ومؤلمة. اجتمعت القمة الروحية اللبنانية عندما وصلت أنباء معتمة كالليل الحالك من مصر عن قتلى وجرحى فى أحداث فتنة طائفية اشتعلت فى إمبابة بضواحى القاهرة. وأنباء أخرى عن تصعيد فى الثورة السورية وابتزازات تستخدم التهديد بالفتنة الطائفية فى سوريا.

إن من لا يعرف أهمية سوريا الاستراتيجية يتوجب عليه أن يزور لبنان، هناك سيرى على الطبيعة كيف يمكن أن يرتبط حاضر بلد ومستقبله بمجريات الحوادث وتفاصيلها فى بلد آخر.

•••


ومن بيروت طرت إلى دبى حيث يعقد المؤتمر السنوى لمنتدى الإعلام العربى، وفيه كما فى غيره من المنتديات العربية لا يزال النقاش مختطفا لحساب الثورات. كانت رغبة من رغباتى أن أسمع تبريرا أو شرحا يفسر الدوافع وراء قرار «توسيع» رقعة مجلس التعاون الخليجى بضم مملكتى الأردن والمغرب. يعرف أغلبنا أن المسئولين فى حلف الأطلسى قرروا توسيع نطاقه ليضم الدول التى تحررت من الشيوعية حماية لها من تهديد روسيا، الدولة الأعظم عسكريا فى القارة الأوروبية.

هل يمكن أن يكون هدف التوسع «الخليجى» حماية الأردن والمغرب؟ وإذا كان هذا هو الهدف، فمن يكون المعتدى؟ أو أين مصدر التهديد؟ هل يكون المعتدى أو مصدر التهديد إسرائيل فى حالة الأردن وإسبانيا فى حالة المغرب؟ هل قرر الخليجيون فجأة القيام بتحمل مسئولية درء الأخطار الخارجية عن البلاد العربية كافة، أم عن دول بعينها فقط؟ وفى هذه الحالة لماذا لم يتوسع المجلس فى العراق أو فى اليمن، وكلاهما ليسا أقل أهمية لأمن دول الجزيرة العربية من المملكة الأردنية. كثيرة كانت أسئلتى لمسئولين وصانعى الرأى فى الإمارات.

كانت معظم الإجابات مؤلمة وإن كنت لا أخفى أنها كانت متوقعة، وربما لهذا السبب لم تكن كسابقاتها صادمة. صدر القرار بالسعى لتوسيع رقعة المجلس بعد أن تأكد للدول الأكبر فى المجلس أن الثورات العربية سبقتها فوسعت رقعتها فى شمال أفريقيا، حيث الثورة مشتعلة فى ليبيا بعد اشتعالها فى تونس ووسعت رقعتها فى الشرق حيث اندلعت فى اليمن وفى البحرين ومندلعة فى بعض أنحاء دولة عمان ودول خليجية أخرى ومندلعة فى سوريا، وتحاصر نيرانها الأردن، البلد الذى حاول الرئيس صدام استخدامه ليسد به المنافذ البرية كافة المؤدية إلى الجزيرة العربية، واجتهد لجذب مصر ناحيته ليشكل بمصر واليمن والأردن حلفا رباعيا تحت قيادته.

•••


الثورة تواصل انتشارها، والقوى غير الثورية تواصل جهود وقف انتشارها، وكلاهما، الثورة وخصومها، بالصدام الناشب بينهما، يحفران فى الأرض العربية علامات ستبقى معنا لمدة طويلة. سوف يشتد الصدام ويتشعب. كلهم يعرفون، ونحن منهم، أنه من أصعب الأمور إشعال ثورة، ولكنهم يعرفون كما نعرف أن الأصعب على الإطلاق وقف ثورة اشتعلت وامتد لهيبها عابرا للحدود ومتجاوزا إرادات ومنشئا قواعد وقيما وقوى جديدة.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي