«احذر الثورة تعود للخلف» هذه العبارة التى يتداولها الكثيرون من رواد موقع التواصل الاجتماعى الأشهر «فيس بوك» ليست دعابة أو نكتة خفيفة الظل لكنها تعبر عن واقع نعيشه حاليا، فالآمال الكبيرة التى عقدها الشعب أو غالبيته على الثورة فى إصلاح الأحوال المعوجة فى جميع مناحى حياتنا قد ذهبت أدراج الرياح أو كادت، كما أن طموحات شرائح عريضة فى تحسين أحوالها المعيشية قد تراجعت وأصابها الإحباط بعد أن طاردتها مسميات المطالب الفئوية واتهمها البعض بتعطيل الإنتاج وتخريب الاقتصاد على الرغم من أنها كانت تطالب بجزء من حقوقها المهضومة طوال السنوات الماضية. حتى هؤلاء الذين نصبوا خيامهم المهلهلة أمام مبنى ماسبيرو كانوا يطالبون بحقهم المشروع فى «أربعة جدران» تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء والنظرات المتلصصة، صحيح أننا ضد قطع الطريق وتعطيل المرور لكننا لا ننكر على هذه الفئات حقوقها فى الوطن الذى أصبح يشعرون لأول مرة أنه وطنهم.
دوافع الإحباط كثيرة، فمناخ الثورة وروحها لم تنتقل إلى الوزارات والمؤسسات والشركات العامة باعتبارها مالا عاما، فيد الترشيد لم تصل إلى هذه المناطق بعد، رغم ما نسمعه ليل نهار عن نقص الموارد وعجز الموازنة، فعلى سبيل المثال ما زال الوزراء ورؤساء المؤسسات والشركات يركبون السيارات الفارهة ولا يكتفون بسيارة واحدة بل مثنى وثلاث، وهناك سيارات وأطقم للحراسة رغم أن أحدا لا يعرفهم، والغريب أن موازنة الدولة الجديدة باركت هذه الممارسات فلم تتضمن مخصصات الوقود والزيوت وقطع الغيار الخاصة باستهلاك الحكومة والهيئات الاقتصادية والمؤسسات العامة أى ترشيد ليتم رصد نحو مليارى جنيه لهذا البند, وارتفعت مخصصات بند النقل والانتقالات إلى نحو 2.3 مليار بزيادة 300 مليون جنيه وحتى البريد والاتصالات بلغت مخصصاتها 366 مليونا على الرغم من ان هناك اختراعا اسمه الانترنت يمكن ان يوفر الكثير فى هذا البند، والاكثر غرابة هو الحفاظ بل وزيادة بند الدعاية والإعلان والاستقبالات ليصل إلى نحو 146 مليون جنيه ويحمل الباب الخامس فى الموازنة ما يسمى مصروفات اخرى بنحو 34 مليار جنيه، دون توضيح ماهية هذه المصروفات، وذلك على الرغم ما نسمعه عن شفافية الموازنة.
لم تحمل الموازنة بصمات الثورة رغم ما تحمله ديباجتها من إشارات إلى مراعاة البعد الاجتماعى، فما جاءت به الموازنة من حد أدنى للاجور لم يلب طموح المصريين فى تحقيق عدالة توزيع الدخل، كما أن زيادة مخصصات دعم الطاقة للمصانع كثيفة الطاقة وأصحاب السيارات الفارهة ــ رغم التخفيض الأخير ــ فاقت بمراحل الزيادة فى مخصصات الصحة والتعليم وربما زيادة دعم السلع التموينية.
حقا إن الثورة تعود للخلف.