رجال الشرطة لن يتحول معظمهم إلى ملائكة فجأة، سيأخذون وقتا حتى يتأقلموا مع المناخ الجديد، لكن البُشرى السارة أن الأمل كبير ومعقود على طلاب الفرقة الأولى فى اكاديمية الشرطة، والمفترض أن يصبحوا ضباطا بعد أربع سنوات.
يوم الاثنين الماضى زرت الاكاديمية بدعوة كريمة من رئيسها مساعد وزير الداخلية ــ الذى يشبه اسمه اسمى ــ اللواء عماد حسين. تجولنا فى هذا المكان الذى يشبه المدينة المتكاملة أو القلعة الحصينة ومساحته حوالى 800 فدان.
داخل الاكاديمية ــ التى كانت تحمل اسم مبارك حتى أسابيع مضت ــ كل شىء، يلزم لتخريج ضابط شرطة عصرى. لكنها حتى يناير الماضى فشلت فى تخريج ضباط يكونون فى خدمة الشعب فعلا.
قبل الذهاب إلى الأكاديمية كنت أعتقد أن المشكلة هى فى مناهج الدراسة وأن مجرد إضافة مادة لحقوق الإنسان ستحل المشكلة، لكننى فجعت أثناء النقاش مع أحد لواءات الاكاديمية أن هذه المادة يتم تدريسها بالفعل منذ عام 1997، إضافة إلى مادة التذوق الفنى. والسؤال هو: اذا كان زبانية العدل درسوا حقوق الإنسان والتذوق الفنى وكانوا وحوشا.. فكيف كان سيكون حالهم إذا لم يدرسوها؟!!.
إذن، المشكلة ليست فى المناهج، ولكن فى المناخ العام والسياسات، والأهم ضرورة وجود رقابة حقيقية من المجتمع على هذا الجهاز.
هذه الأكاديمية ــ التى بدأت مدرسة عام 1869 وانتقلت إلى القاهرة الجديدة عام 1999 ــ هى النواة الأولى التى تشكل ضابط الشرطة. اللواء عماد حسين واللواء أحمد البدرى مدير الكلية وسائر القادة الذين التقيناهم أكدوا أن عهد المحسوبية فى القبول بكلية الشرطة قد انتهى، وأنه لا مانع من قبول أبناء الإخوان والسلفيين طالما أنهم يستوفون الشروط المطلوبة، وأن ممارسات العهد الماضى لن تعود مهما كانت الأسباب.
قلت لهم إن التغيير لابد أن يحدث داخل ذهنية رجال الشرطة أولا وعليهم أن يتذكروا فى كل لحظة أنهم بشر عاديون، ومخلوقون من نفس طينة بقية الشعب، وأن دورهم هو خدمة هذا الشعب فعلا وليس شعارا.
قلت لهم إنه لا يوجد عاقل، يتصور أن كل الشرطة فاسدة لكنها مثل السمكة عندما تفسد الرأس، يفسد كل الجسد.. ندرك وجود شرفاء كثيرين لكن لا تأثير لهم إذا كانت السياسة المتبعة منحرفة.
قادة الكلية استمعوا بكل إنصات وكان طلبهم الرئيسى أنهم يحتاجون إلى ثقة الشعب وإلى مساعدته وطى الصفحة، وأن على المواطنين أن يعذروا أفراد الشرطة الذين يعملون فى مناخ صعب ومع نوعيات غير سوية من مدمنين ومجرمين.
ثقة الشعب ستعود، والتأهيل الحقيقى لرجل الشرطة هو أن يتحمل الضغط فى كل الظروف، ويمسك نفسه عن الغضب.
أفضل ما فى الجولة كان اللقاء مع طلبة الفرقة الأولى، ليس بسبب قاعات المحاضرات الكبيرة أو التعليم الإلكترونى ومسارح الجريمة الثلاثة، لكن لأننى سألت بعض الطلاب وأعمارهم لا تزيد على 18 عاما عن رأيهم فى الثورة.. وكانت إجاباتهم شبه متطابقة وهى أنهم شعروا بالفخر لأنهم مصريون، وأن شبابا مثلهم هو الذى صنعها.
زاد اطمئنانى على المستقبل حينما علمت أن كثيرا منهم زينوا جدران غرفهم بصور ورسومات تعبر عن الثورة.
هذا الجيل الجديد لا ولن ينتمى إلى حبيب العادلى، لكن من دون رقابة صارمة من المجتمع بأكمله، فسوف ينحرف أى شخص أو أى جهاز طالما امتلك السلطة المطلقة حتى لو كان أفراده جيشا من الصحابة.