لماذا يفشل مبعوثو الأمم المتحدة في تسوية الصراعات بالإقليم؟ - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يفشل مبعوثو الأمم المتحدة في تسوية الصراعات بالإقليم؟

نشر فى : الثلاثاء 25 يوليه 2023 - 6:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 25 يوليه 2023 - 6:50 م

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب محمود قاسم، أورد فيه أسباب تراجع دور مبعوثى الأمم المتحدة فى تسوية الصراعات المسلحة بمنطقة الشرق الأوسط... نعرض من المقال ما يلى.
يُعد إرسال مبعوث أممى لمناطق النزاع والصراعات المسلحة أمرا رئيسيا كإحدى أدوات الأمم المتحدة للتعاطى مع تلك النزاعات ومحاولة تسويتها. وتاريخيا، كانت منطقة الشرق الأوسط ضمن الساحات الأساسية لعمل المبعوثين الأمميين، حيث أرسلت الأمم المتحدة، السويدى فولك برنادوت، كأول مبعوث أممى أو وسيط للمنطقة عام 1948؛ بهدف بحث تسوية الوضع المستقبلى لفلسطين، ومنذ ذلك الحين توافد على المنطقة عدد كبير من المبعوثين.
وكثفت الأمم المتحدة انخراطها فى الصراعات المسلحة فى الإقليم خلال السنوات التى أعقبت أحداث عام 2011، حيث فرضت النزاعات المسلحة فى المنطقة على الأمم المتحدة توجها قائما على إيفاد مبعوثيها لمناطق اندلاع الصراعات كمحاولة لإيقافها، والمساعدة فى تجاوز الخلافات التى تؤدى بدورها لتجدد دورات الصراع. بيد أن المنظمة الدولية لم تنجح فى تسوية أو إنهاء هذه الصراعات؛ لأسباب عديدة.
• • •
منذ انتهاء الحرب الباردة، وقبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كانت السمة الرئيسية للنزاعات حول العالم تشير إلى تراجع النزاعات أو الصراعات ذات الطابع الدولى مقابل تنامى الصراعات الداخلية فى عدد من المناطق حول العالم. وكانت منطقة الشرق الأوسط ضمن الساحات التى تنامت فيها الصراعات الداخلية التى امتد تأثيرها طيلة السنوات الماضية، خاصة فى كل من سوريا واليمن وليبيا، علاوة على دخول السودان على نفس الخط منذ اندلاع الصراع الداخلى فى منتصف إبريل 2023.
ودفعت الصراعات الداخلية فى الشرق الأوسط، الأمم المتحدة، انطلاقا من الفصل السادس من ميثاقها المرتبط بالحل السلمى للنزاعات التى من شأنها أن تؤثر فى الأمن والسلم الدوليين، إلى تعزيز مهامها وانخراطها المبكر فى تلك الصراعات عبر مبعوثيها. وبالرغم من توافد عشرات المبعوثين على المنطقة، فإنهم لم ينجحوا فى تحقيق أى اختراق فى مسار التسوية وتهدئة التوترات القائمة بين الأطراف المنخرطة فى النزاع. وهو ما يتضح فى التالى:
1ــ حرب اليمن: تعاقب على الصراع اليمنى أربعة مبعوثين منذ تعيين الأمم المتحدة، جمال بن عمر، فى إبريل 2011، وكانت مهمته المحددة من قِبل المنظمة الدولية تدور حول «رعاية عملية انتقالية سياسية سلمية وشاملة»، وخلال أشهر من ولايته جاءت المبادرة الخليجية فى نوفمبر 2011 لتُعزز إمكانية انتقال السلطة على أمل تحقيق انفراجة تفضى إلى تسوية مبكرة للأزمة، فضلا عن دوره فى جمع الأطراف اليمنية كافة على مائدة مؤتمر الحوار الوطنى الشامل، والذى انتهى فى يناير 2014 بإصدار وثيقة باتت من مرتكزات أى تسوية محتملة.
ومع ذلك، تبددت الآمال على خلفية انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية، ودخول اليمن فى دوامة الصفقات والحسابات المتناقضة لأطرافها، وهو ما دفع جمال بن عمر إلى تقديم استقالته فى إبريل 2015. ولم ينجح خليفته، الموريتانى إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ومن بعده البريطانى مارتن جريفيث، وصولا إلى المبعوث الحالى، السويدى هانس جروندبرج، الذى تم تعيينه فى أغسطس 2021، سوى فى تحقيق إنجازات مؤقتة أو منقوصة، تمثلت أغلبها فى رعاية مباحثات تفاوض بين أطراف الأزمة سواءً فى جنيف أو الكويت أو ستوكهولم، والتى أسهمت فى تهدئة التوترات لفترات وجيزة قبل أن يتجدد الصراع مرة أخرى؛ بسبب التعنت الحوثى ورفض المليشيا أى محاولات للحل السياسى بالرغم من التنازلات التى تقدمها الشرعية فى سبيل استعادة الاستقرار وتحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية فى البلاد.
2ــ الصراع السورى: لم تختلف سوريا كثيرا عن باقى الصراعات فى الإقليم، حيث أرسلت الأمم المتحدة أربعة مبعوثين منذ اندلاع هذه الأزمة، بدايةً من كوفى عنان الذى تولى مهامه فى فبراير 2012 كأول مبعوث أممى لدى سوريا، قبل أن يستقيل فى غضون ستة أشهر، مرورا بكل من الأخضر الإبراهيمى، وستيفان دى ميستورا، وصولا إلى المبعوث الحالى جير بيدرسون. وبالرغم من أن هؤلاء المبعوثين يتمتعون بخبرة عملية كبيرة فى التعاطى مع قضايا وملفات الأزمات فى المنطقة، لم تؤتِ جهودهم ثمارها، فى ظل معادلة الاشتباك القائمة فى سوريا، وعليه لا يُرجح أن يحقق المبعوث الحالى بيدرسون تقدما ملموسا فى الصراع السورى.
3ــ الصراع السودانى: اعتمد مجلس الأمن الدولى، فى يونيو 2020، قرارا يفضى إلى إنشاء بعثة أممية لدعم المرحلة الانتقالية فى السودان بداية من يناير 2021 ولمدة عام، قبل أن يتم تمديد عمل البعثة فى يونيو 2021 لمدة عام إضافى، الأمر ذاته تكرر فى يونيو 2022. وفى مطلع يونيو 2023، أصدر قرارا يمدد بموجبه مهام البعثة الأممية 6 أشهر حتى الثالث من ديسمبر المقبل.
وعلى الرغم من المدى الزمنى القصير لبعثة الأمم المتحدة فى السودان، مقارنة بباقى البعثات فى مناطق الصراع الأخرى بالمنطقة، فقد أثارت جدلا واسعا لدرجة أن الموقف الرسمى للحكومة السودانية رأى رئيس البعثة، فولكر بيرتس، شخصا غير مرغوب فيه؛ الأمر الذى يضع البعثة فى مأزق. وهو ما يمكن ملاحظته من شعور الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بالصدمة إزاء طلب رئيس المجلس السيادى السودانى، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، فى مايو الماضى، باستبدال المبعوث الأممى الحالى.
• • •
ثمة أسباب يمكن الوقوف عليها لتفسير تراجع دور مبعوثى الأمم المتحدة فى تسوية الصراعات المسلحة بالمنطقة، وغياب الفعالية، وعدم القدرة على تحويل دفة الأمور من الحالة الصراعية للتهدئة، ومنع تجدد دورات الصراع، وذلك على النحو التالى:
1ــ تركيز الجهود على إدارة الصراع: ارتكزت مهمة مبعوثى الأمم المتحدة فى الإقليم على إدارة الصراع بين مكوناته، دون محاولة الاقتراب من الأسباب الجذرية له. وهذا التوجه قاد إلى تسكين الصراع لفترات مؤقتة دون حله أو منعه من التجدد، حتى أن عملية إدارة الصراع اصطدمت بتركيز المبعوثين على الأهداف التى تم إضفاء الشرعية الدولية عليها، وعدم الخروج عنها.
2ــ عدم القدرة على تأمين تفاهمات مستدامة: أخفق مبعوثو الأمم المتحدة بساحات الصراع، فى إقناع الأطراف المنخرطة فيه بتبنى نهج مستدام لعملية تقاسم السلطة أو إنهاء الصراع، حيث مارست الأمم المتحدة ضغوطا على أطراف الصراع للقبول بالتفاوض، والاتفاق على عدد من المخرجات، إلا أنها كانت مؤقتة وتفتقر إلى عنصر الاستدامة، فلم تلتزم الأطراف بها، ولم يكن باستطاعة المبعوث الأممى عبر أدواته أن يمارس أى ضغوط أو يقدم ضمانات تحول دون انقلاب تلك الأطراف على ما تم التوافق عليه.
3ــ اصطدام الدور الأممى بالتوازنات الدولية: تتوقف فعالية دور المبعوث الأممى فى الصراعات المسلحة على التوازنات الدولية داخل الأمم المتحدة. إذ قد يجد المبعوث الأممى نفسه مُقيدا بحسابات بعض الأطراف داخل مجلس الأمن، حيث إن استمرار الصراعات المسلحة فى الإقليم أدى إلى انخراط متزايد للقوى الدولية التى تتباين مصالحها فى كثير من الأحيان، ما يفرض وجهات نظر متعارضة حيال تسوية تلك الأزمات أو تحركات المبعوث الأممى.
4ــ التشكيك فى حيادية المبعوثين الأمميين: تتوقف فعالية مبعوث الأمم المتحدة على مدى الحياد الذى يتمتع به، وعدم الانحياز لطرف على حساب الآخر، والوقوف على مسافة وسط بين الأطراف كافة. ولعل تجربة الصراعات المسلحة فى الإقليم قد أثبتت اتساع الفجوة بين مبعوثى الأمم المتحدة وأحد أطراف الصراع على الأقل.
فى الأخير، أظهرت الصراعات المسلحة فى الشرق الأوسط، إخفاق الأمم المتحدة فى إقناع الأطراف المتصارعة عبر مبعوثيها بإنجاز عملية الانتقال السياسى، وتهدئة التوترات، والتوصل إلى صيغ وتفاهمات تقود للانتقال من الحالة الصراعية إلى تسوية النزاعات القائمة، والتى تفاقم تأثيرها بمرور ما يزيد على عقد، دون وجود أى آفاق للحل. ولا يُرجح أن يتمكن مبعوثو الأمم المتحدة من إنجاز تلك التسويات؛ فى ظل العراقيل والقيود المرتبطة بالتفاعلات والترتيبات الراهنة فى مناطق الصراعات.

النص الأصلي

التعليقات