لم أعتد أن أترك نفسى فريسة سهلة لنوبات المرارة التى تنتابنا جميعا ونحن نرقب مظاهر القصور والعجز والتراجع الذى تعانيه مهنة لا أفاخر ولا أتعالى إذا ما وصفتها بالرسالة السامية. تطبيب البشر رسالة يتولاها أولو العزم فما بالها فى بلادى تتعثر وتترنح حتى أنها مهددة بالانهيار، أبدا لم أفقد الأمل يوما فى سنوات طويلة قضيتها فى العمل فى أكبر مؤسسة خدمية حكومية فى أننا قادرون على تقديم خدمة طبية تنتهج العلم وتعالج المواطن فى كرامة. دائما ما كان الضوء ما أرى فى نهاية النفق المظلم.
اليوم بالفعل أحد الأيام التى حملت تفاؤلا لقلبى أردت أن أنثره عليكم علنى أحمل إليكم أملا فى أن القادم قد يكون بالفعل أفضل فهناك منا من لم يستسلموا للواقع العاجز بل هم يعملون فى صمت ويحققون انتصارات أشبه بالمعجزات الصغيرة.
توقفت يوم الثلاثاء ٢٢ أكتوبر أمام خبرين تم نشرهما فى جريدة الأهرام فى صفحة فريدة تهتم بأحوال المعاقين تحت اسم «صناع التحدى» الخبر الأول جاء عن مؤتمر دولى مهم عقد فى السويد وشاركت فيه مصر عن مرض يعد من أكثر الأمراض شراسة: مرض التصلب المتعدد أحد أمراض المناعة وفيه يهاجم جهاز المناعة الإنسان ويعتبره عدوا يسعى لتدميره.
المرض بالفعل خطير فلا أحد يعرف كيف يتوقعه ويختار ضحاياه من الشباب خاصة الفتيات وله تداعيات كثيرة قد تنتهى بعجز الإنسان عن الحركة والتنفس وأعراض مختلفة حتى أنه يلقب بمرض الألف وجه. حتى الآن ليس هناك علاج شافٍ من مرض التصلب لكن الأمل فى الأدوية الحديثة التى لا تعالجه انما توقف تطوره وتبقى على الخلايا العصبية سليمة تحميها من الإصابة.
تلك العلاجات الحديثة تتخطى تكلفتها الملايين فى أوروبا وأمريكا!!
الخبر هنا والعهدة على الراوى الاستاذ الدكتور محمد فؤاد زكريا أستاذ أمراض المخ والأعصاب بعين شمس أن وزارة الصحة المصرية توفر تلك الأدوية الباهظة التكلفة بالمجان فى مصر لمرضى التأمين الصحى. إذا كان هذا الخبر صحيحا فالتحية واجبة والشكر موصول للدولة التى ترصد تلك الميزانية الضخمة لعلاج محدودى الدخل.
الخبر الثانى تضمن تحقيقا صحفيا لتجربة انسانية فريدة مر بها وكتبها محرر الأهرام العلمى الأستاذ أشرف أمين والذى اتابع جهده باهتمام يستحقه.
التجربة التى اهتم بها المحرر العلمى وتدعمها جمعية النور والأمل فى شراكة مع مؤسسة دروسوس الألمانية الغرض منها لفت نظر المجتمع للمعاناة التى يلقاها فاقدو البصر فى معايشة وقائع أيامهم اليومية والمعوقات التى تقف حائلا بين ما يعانون من جراء تلك الإعاقة ورغبتهم فى الحركة بحرية دون الاعتماد على الاخرين.
التجربة تنتج ظروفا واقعية للانسان ولمدة ساعة أن يعيش ويتعايش مع الظلام الدامس اعتمادا على حواسه الأخرى كلها ما دون العينين.
المشى فى الشارع، عبور كوبرى، شراء احتياجات، تناول كوب عصير وغيرها من التفاصيل الصغيرة للوقائع اليومية التى يعيشها فاقد البصر معتمدا على نفسه، حاول أن يعيشها أشرف أمين اعتمادا على مرشدة كفيفة مدربة على إرشاد الناس فى التجربة.
نجح هذا العرض فى ٣٩ دولة من قبل والآن جاء دور مصر حيث اكتملت التجربة وقريبا يستعد المعرض لاستقبال كل من يرغب فى معاصرة التجربة بل ومعايشتها خاصة أطفال المدارس والعاملين فى جميع نشاطات المجتمع المدنى والمهتمين بهذا الحوار الذى أطلقوا عليه Diajogue in the Dark.
أشاع الخبران بهجة فى نفسى لكنها للأسف كانت غير قادرة على الرد على سؤال محير: إذا ما كانت لدينا تلك القدرات على التفكير والحل، فلماذا نحن فى ما نحن فيه؟
المحرر