بعد محاولات عديدة من قبل بعض الأطباء والمتظاهرين لإنقاذه من الاختناق بقنابل الغاز فى ميدان التحرير ــ استرد الرجل وعيه وبدا يفتح عينيه كان يبدو بسيط الحال فى العقد السابع من عمره.. وما إن افاق الرجل بالكامل ووسط دهشتنا جميعا وجدناه يصرخ باعلى صوته «بقى لنا عشر شهور محصلش حاجة، عبدالناصر بعد شهرين بس من الثورة عمل الاصلاح الزراعى ونزع ملكية الأراضى».
لم ينجح أحد منا أن يهدئ الرجل المسن الذى حرص على المشاركة فى المظاهرات رغم دخان قنابل الغاز الخانق الذى يملأ سماء التحرير فانصرف البعض إلى متابعة موكب المصابين الذين يتوافدون كل دقيقة إلى المستشفى الميدانى فى عمر مكرم بينما انصرف ذهنى إلى كلام «ماجدة» التى تعاوننى فى اعمال المنزل والذى اختلط بكلام الرجل، منذ ايام قالت لى ماجدة دون مقدمات «ولا كأن فيه ثورة قامت فى البلد» قبل ان أعلق تابعت «هى الثورة دى مش كانت عشان الغلابة تصلح أحوالهم وتحسن عيشتهم، بعد 10 شهور مش حاسين بأى حاجة، الاسعار زادت وحتى معاش الضمان الاجتماعى الذى حصلت عليه بعد معاناة لا يزيد على 168 جنيه، قالوا لى إن الولاد اللى معاهم بطاقة شخصية مش من حقهم المعاش، قلت لهم الولاد لسه بيتعلموا، قالوا لى اللى معاه بطاقة يقدر يشتغل!! طبعا أنا اللى بقيت اشتغل ليل نهار عشان أعلمهم وأكّلهم».
ماذا فعلت الثورة للفقراء وماذا عن مطلب العدالة الاجتماعية التى كانت فى مقدمة مطالب التحرير؟ الاجابة لم يحدث شىء حتى الحد الأدنى للاجور الذى يعد المتغير الوحيد بعد الثورة والذى لا يلبى احتياجات الناس المعيشية لم تستطع الحكومة ان تضمنه لملايين العاملين بالقطاع الخاص وأقصى ما توصلت إليه بعد مفاوضات صعبة مع القطاع الخاص أن يبدأ القطاع ــ فى يناير المقبل أى بعد سنة من الثورة ــ إعطاء العاملين الذين تقل دخولهم عن 700 جنيه بدل يسمى «بدل ظروف طارئة» يحصل عليه العامل بعد ضم كل المكافات والمزايا العينية والمادية والبدلات إلى راتبه ليتجاوز الـ 700 جنيه وبالتالى لن يدفع القطاع الخاص شيئا!!
ليس صحيحا أن كل من خرج للتحرير كان يعارض وثيقة السلمى أو يستعجل الانتخابات، وذلك باستثناء القوى الإسلامية التى خرجت الجمعة الماضية فى مشهد لاستعراض القوة ولأهداف سياسية ثم خرجت من الميدان ولم تعد إليه. المصريون عادوا للتحرير يطالبون بتحقيق أهداف الثورة التى لم تتحقق بعد عشرة شهور من قيامها وهى العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة.