تمت الهدنة المؤقتة المنشودة بعد أن صرخ العالم كله فى وجه إسرائيل منددا بجرائمها اللإنسانية التى ألحقتها بالشعب الفلسطينى فى غزة فعدد القتلى والجرحى رهيب والصور المنشورة والمبثة تشهد لهذا الإجرام، ومصر كان لها دور كبير ومحورى فى تحقيق الهدنة وأيضا تبادل الأسرى بل استقبلتهم وساهمت فى نقلهم إلى ذويهم فى إسرائيل. إضافة لاستقبال الجرحى الفلسطينيين مع ذويهم فى المستشفيات المصرية لعلاجهم وذلك لأن القيادة المصرية وضعت صوب أعينها «الرحمة الإنسانية أولا». لم تكن الجهود المضنية التى بذلتها مصر دون حجب دولة قطر وغيرها مما ساهموا فى المفاوضات، خاصة فى الساعات الأخيرة، للتوصل إلى وقف إطلاق النار فى غزة، غريبة أو جديدة على مصر، إذ هى دائما كانت وستظل التى تحمل هموم الشعب الفلسطينى ومعاناته فى قلبها وعقلها وعلى أكتافها، ولا شك فى الحقيقة أن مصر هى من أكثر من دافع عن الفلسطينيين منذ عشرات السنين، وكل من قرأ التاريخ المعاصر لمنطقة الشرق الأوسط، وللقضية الفلسطينية، يعرف تلك الحقيقة جيدا.
ونعرف جميعا إصرار مصر على عدم تهجير أشقائنا الفلسطينيين من غزة تهجيرا قسريا، لأن فى ذلك تضييعا للقضية الفلسطينية كلها، وهو موقف سيظل التاريخ يذكره لمصر، كما سبق وذكر لها آلاف المواقف البطولية لمصلحة الشعب الفلسطينى. وتحلت القيادة المصرية بكثير من ضبط النفس رغم التلويح بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وهذا يحسب لها حاليا وفى التاريخ البعيد، فهذا لمصلحة القضية الفلسطينية قبل أن تكون ضررا على مصر. أن الدبلوماسية المصرية قامت بدور كبير على أكثر من مستوى سواء الرئاسية أو الرسمية ولا نغفل الشعبية للدولة منذ 7 أكتوبر وحتى الآن وكان وما زال لها دور أساسى فى توجيه أنظار المجتمع الدولى نحو العنف الذى تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى وان الأمر خرج أننا أمام دولة تدافع عن نفسها إلى دولة تدمر شعبا بأكمله فى عملية إبادة جماعية. وربما يكون مفيدا فى هذا الشأن التذكير بالدور الذى تقوم به مصر فى تطبيق وإنجاز شروط هذه الهدنة بعد 47 يوما من الحرب والقتل والدمار والنزوح والتشرد، خاصة فيما يتعلق بإدخال المساعدات المتنوعة من مأكل ومشرب ودواء ووقود لأهالى غزة، أو فى مسألة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل والتى تمت إلى الآن بنجاح.
هكذا فإن إشادات قادة العالم بما بذله السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ تفجر الأوضاع فى غزة، جاءت لترسيخ هذه البديهية التاريخية، وهى أن مصر أول من يهب لإنقاذ أرواح الفلسطينيين وأطفالهم ونسائهم. إن هذا هو قدر مصر، وهذا دورها، الذى لن تتنصل منه أبدا، ولعل الذين تابعوا الخطوات التى اتخذتها القيادة السياسية المصرية، يدركون مدى الصبر والذكاء السياسى والحنكة الدبلوماسية، التى اتبعتها هذه القيادة لتحقيق الهدنة مع طرفى الصراع والذى لا يخفى على أحد صعوبة المباحثات معهما بعيدا عن الانفعال الصبيانى، أو التهور، الذى يضر ولا ينفع.
ومصر بسبب حدودها المشتركة مع دول فيها حروب وأزمات إضافة لفلسطين كذلك فى السودان وليبيا يظل قدرها أن تكون هى الملاذ فى حل الأزمات السياسية والإنسانية فى المنطقة بفضل سياستها الحكيمة والرشيدة والصريحة والمتوازنة رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى ألمت بشعب مصر السخى والوفى.