مكرم مهنى - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مكرم مهنى

نشر فى : الجمعة 25 ديسمبر 2015 - 10:25 م | آخر تحديث : الجمعة 1 يناير 2016 - 4:30 م
لا أظن أن ذلك المشهد الإنسانى المهيب ينحسر فى ذاكرتى أبدا أو بعد حين. سعيت لوداع رجل عظيم بقلب مثقل ونفس غلبها حزن شفيف فوجدت مصر تقف بباب الكنيسة المرقسية تتقبل العزاء فى ابنها البار مكرم سيد مهنى. قبلت يديها وتركت العنان لدموعى أشاركها حزنها النبيل على فارس صناعة الدواء الوطنية الذى ترجل اليوم عن صهوة جواده لتصعد روحه إلى بارئها جل شأنه.
لم يكن هناك موضع لقدم فى ساحة الكنيسة العريقة ولا داخل القاعة التى تهيأت فى جلال للصلاة التى أقامها قداسة البابا تواضروس الثانى ولفيف من الأساقفة والرهبان والقساوسة بينما تجمع المئات من عمال مصانعه وشركاته على جانبى شارع رمسيس يلقون تحية وداع أخيرة على الرجل الذى كان دائما بينهم مثلًا نادرًا لصاحب العمل الذى يهتم بكل تفاصيل حياة رجاله فاتحا أبواب الرزق لهم.
توالت كلمات رجال الدين فى نهاية الصلاة التى خاطبت القلوب ولمست الأفئدة برفق. رغم كل ما قيل فى حق الرجل فأنا فى الواقع أراه أكثر بهاءً فقد كان دائما فى نظرى السهل الممتنع.
جمعتنا جيرة فى السكن طيبة وكنا نتعاون فى أداء بعض المهام الخاصة بالمكان الذى نعيش فيه. كثيرا ما كنت أعجب كيف يتسنى لهذا الرجل المهموم بصناعة الدواء فى مصر وإدارة مصانعه وشركاته وسفريات العمل المتكررة المرهقة أن يجد من الوقت ليهتم بزراعة الأشجار أو المداومة على تهنئة جيرانه فى المناسبات على أنواعها؟!
تحدث قداسة البابا عن دوره فى خدمة الكنيسة بإخلاص فذكر دورا له عظيما فى إدارة الحوار بين الكنيسة الأرثوذكسية والطوائف المسيحية الأخرى ، ودورا آخر فى دعم الأسر الجامعية لرعاية الشباب ودفعهم للتفوق والنجاح لكنه لم يغفل أيضا له دورا عظيما فى خدمة الوطن، فكلما ذكر كانت وطنيته نابعة من قبطيته. ذلك بلا شك تعبير بديع عما كانت عليه شخصية مكرم مهنى.
لن تنسى مصر ذلك الدور الذى لعبه لصالح الوطن والإنسان بداية من عمله الدءوب كصيدلى حر وجهاده الدائم لبناء صناعة دواء وطنية مصرية خالصة حتى رئاسته لغرفة صناعة الدواء.
لن تنسى له مصر أيضا محاولاته الدائمة لخدمة هذا الوطن فى أى مجال يدعى إليه كمساهمته فى تأسيس الحزب الوطنى الديمقراطى.
أما أنا فسأظل أنتظر دائما منه مكالمة تليفونية فى الصباح الباكر يسألنى عن إمكانية نقل مريض من عمال مصانعه لمعهد القلب وتعليقا باسما: طبعا فى القسم الاقتصادى فكل عمالنا مؤمن عليهم.
«ارجعى يا نفسى إلى راحتك لأن الرب قد أحسن إليك» رددها الأسقف الجليل ونحن وقوفا، مودعين الرجل العظيم يخرج فى صندوق بينما روحه تنسل فى هدوء صاعدة إلى السماء تحف بها الملائكة.
رددها الأسقف الجليل فوقعت بقلبى..
«يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى».
رحل رجل مصرى وطنى عظيم ليسكن فى قلب مصر رفيقا للكثيرين من أبنائها الذين أخلصوا لله وللوطن.
التعليقات