نشر موقع Defense One مقالا للكاتب Patrick Tucker يعرض فيه نتائج تقرير صدر عن المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، أشار إلى أن الدول غير مدركة وغير مستعدة للتعامل مع التهديدات التى ستنتج عن الاتفاقيات مع الصين حول طريق الحرير الرقمى الذى يعمل على تعميق التعاون فى مجال الاقتصاد الرقمى.. نعرض منه ما يلى.
الصين تمتلك الكثير من الاستراتيجيات لاختراق اقتصادات والبنى التحتية للدول الأخرى، ونجاح الولايات المتحدة فى منع حلفائها من استيراد معدات اتصالات هواوى لن يوقف محاولات الصين فى زيادة تبعية حلفاء الولايات المتحدة لها، وهى تبعية من شأنها إضعافهم. فالكثير من تلك الدول لا تعى طرق بيكين المختلفة لتقوية نفوذها، وقليلهم يملك خططا لمواجهتها.
تقرير فبراير الصادر عن المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية ركز على استراتيجية الصين لطريق الحرير الرقمى والتى تتضمن، الاستثمار فى التكنولوجيا، اتفاقيات ثنائية لإجراء الأبحاث المشتركة، تمويل برامج لتعليم الطلاب عن التكنولوجيا الصينية، توفير التكنولوجيا الأمنية للأنظمة الاستبدادية.. إلخ.
وجد التقرير أن على الأقل هناك 16 دولة وقعت مذكرة تفاهم مع الصين حول مشاريع مرتبطة بطريق الحرير الرقمى، ما يعنى التوصل إلى تفاهم رسمى حول السماح بوجود التكنولوجيا الصينية فى الأسواق، أو استضافة الصين لبرامج تعليمية، أو إطلاق برامج بحثية مشتركة. لكن نطاق اختراق التكنولوجيا الصينية يتجاوز تلك الاتفاقيات الرسمية. أظهر بحث المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية أن الصين قد نفذت مشاريع تتعلق بـطريق الحرير الرقمى لتكتسب موطئ قدم فى السوق، أو التعليم، أو غير ذلك فى 137 دولة حول العالم.
أظهر البحث أن العديد من الحكومات مستعدة للدخول فى شراكات مع الصين على افتراض أن تغير الرياح السياسية وتراجع القيادة الأمريكية سيجعل الولايات المتحدة تتخلى عن حملتها للضغط على الدول حتى تبتعد عن التكنولوجيا الصينية. ولكن حملة الضغط هذه لم تؤثر على التعاون الأمنى والاستخباراتى لتلك الدول مع الولايات المتحدة، والذى يرى التقرير أن قرار أيا من الحكومات الابتعاد أو الحد من التكنولوجيا الصينية استند على عواقب ذلك على التعاون الدفاعى والاستخباراتى مع الولايات المتحدة وحلفائها.
أشار التقرير إلى أنه فى إندونيسيا شهد العقدان الماضيان تحول شركة هواوى لتصبح جزءًا لا يتجزأ من نظام المعلومات والاتصالات بها، بدءا من شبكات كابلات الألياف البصرية التى يبلغ طولها آلاف الكيلومترات إلى أحدث الهواتف الذكية. تنتشر التطبيقات المحلية المصممة باللغة الصينية بين مستخدمى الهواتف الذكية من الإندونيسيين، ويتم نقل اتصالاتهم عن طريق محطات مركزية ومراكز بيانات مصممة فى الصين. تلعب الصين أيضًا دورًا كبيرًا فى جهود أبحاث الذكاء الاصطناعى فى إندونيسيا.
فى كوريا الجنوبية، تستخدم الصين الاستثمار الأجنبى المباشر كأداة للتأثير على السياسات. فواردات التكنولوجيا لكوريا الجنوبية من الصين كانت فى مركز حرب رقائق السيليكون بين الصين والولايات المتحدة لوضع رقائقهم فى أكبر قدر من الالكترونيات، وهذا يمثل ثروة وطنية وربحا ومعضلة لكوريا الجنوبية والتى من الأرجح أنها ستدافع عنها رغم التكلفة التى ستقع على علاقتها بالولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، أعطت شركة هواوى موطئ قدم للصين فى الإمارات، وتعمقت العلاقة مع شراء الإمارات من الصين كاميرات المراقبة وبرامج التعرف على الوجه. وفى بولندا، ضخت الصين أموالًا فى برامج التدريب والتعليم، فعلى سبيل المثال لدى الصين مسابقات فى الكثير من الجامعات البولندية التى يحصل فيها الفائز على رحلة لقضاء أسبوع فى شينشين بالصين للمشاركة فى ورش عمل بالمقر الرئيسى لشركة هواوى ثم الذهاب إلى بيكين للمشاركة أسبوعا آخر فى ورش عمل بها ويحصل فى الأخير على هاتف ذكى. كما أبرمت شكرة هواوى اتفاقية مع جامعة بولندية كبرى يونيو الماضى، وهو أمر مهم نظرا لما قامت به الولايات المتحدة من محاولات للدفع بحلفائها بعيدا عن هواوى، ونظرا للتوقيت حيث فشلت بولندا فى نفس الوقت فى تأمين وجود قاعدة أمريكية دائمة بها. حتى إسرائيل، أحد أقرب الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة، تحتل مكانًا خاصًا على طريق الحرير الرقمى الصينى، بعد أن وقعت اتفاقية بحث وتطوير مع بكين.
تمنح هذه الاتفاقيات والشراكات الصين أكثر من موطئ قدم فى الأسواق وقدرة على التأثير فى صنع السياسات الحكومية.. فهى أيضا تؤمن وصولها إلى البيانات المدنية وبيانات الشركات التى قد تكون مفيدة لشركات التكنولوجيا الصينية ــ وتساعد عملاء الاستخبارات فى بكين على استهداف المواطنين أو نشر المعلومات المضللة بينهم.
وأشار التقرير أنه حتى لو افترض أن المخاطر التى تشكلها التقنيات الصينية على أمن الاستخبارات ليست كبيرة، فإن القدرة على التحكم فى البيانات الضخمة مرتبطة بالقدرة التنافسية المستقبلية فى التعلم الآلى والذكاء الاصطناعى، وبالتالى ستربك الصناعات الدفاعية.
أشار المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية إلى أن المشكلة الكبرى هى أن الحكومات لا تعمل على تحديد نوع أو مقدار الاستثمارات الصينية التى تشكل خطرا. وركزت الحكومات على مناقشة موضوعات لم تمثل خطورة جوهرية مثل الحديث عن قبول أو رفض البنية التحتية الصينية الضخمة وإغفال النقاش حول ما إذا كان يجب الاعتماد على واردات الأسلاك النحاسية من الصين، أو ما إذا كان سيتم السماح بالاستثمار الصينى فى الصناعات المحلية الناشئة. لذلك من الواضح أن الحكومات لم تحدد بدقة المستوى الذى يعد هاما فى التكامل التقنى لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع الصين.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى