التأثيرات السلبية والمدمرة للصراع الدائر الآن بين روسيا والغرب فى أوكرانيا كثيرة جدا، لكن أحدها أنها ستضع غالبية بلدان العالم خصوصا الدول النامية فى موقف شديد الإحراج للاختيار بين تأييد أمريكا والغرب، أو روسيا والشرق.
الذى لفت نظرى إلى هذا الموضوع المهم دبلوماسى عربى كبير بقوله إن الدول النامية ومنها غالبية البلدان العربية ستجد نفسها أمام خيارات عسكرية واقتصادية وسياسية شديدة الإحراج، للاختيار بين هذا الطرف أو ذاك.
حينما تدخل الدول الكبرى صراعات مثل تلك التى نراها فى أوكرانيا هذه الأيام فإنها تطلب من بقية بلدان العالم أن تختار بين تأييد موقفها، أو تهددها بأنها ستضعها فى خانة الخصم أو العدو. بعض الدول تنحاز إلى هذا الطرف أو ذاك طالما أن الانحياز فى مصلحتها.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ ــ ١٩٤٥، دخل العالم فى حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين الغرب وحلف الأطلنطى بقيادة الولايات المتحدة، والشرق وحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتى، واستمر ذلك حتى انهيار جدار برلين عام ١٩٨٩، وتفكك الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١.
طوال مراحل الحرب الباردة كانت غالبية الدول مصنفة إما إنها مع أمريكا وإما مع روسيا، أو حتى قريبة ومتعاطفة مع هذا الطرف أو ذاك. صحيح أنه كانت هناك كتلة عدم الانحياز التى أسستها مصر والهند ويوغسلافيا منتصف الخمسينيات، ولعبت دورا مهما فى محاولة إيجاد مخرج ثالث، لكن الدقيق أيضا أن غالبية أعضاء هذه الكتلة كانوا إما منحازين إلى واشنطن وأما إلى موسكو.
العالم يقوم على المصالح دائما، وفى لحظات الحروب والصراعات الكبرى تكون الأمور أكثر سفورا، وإذا كانت واشنطن أو موسكو تقدم مساعدات ومنحا مختلفة لبعض الدول فإنها تتوقع منها أن تدعمها سياسيا، وأن يكون هذا الدعم علنيا من دون لف أو دوران، ورأينا الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن يرفع بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠١١ شعاره المتطرف، «من ليس معنا فهو ضدنا».
حتى إسرائيل التى تتبجح كثيرا بقدرتها وقوتها اكتشفنا أنها لا يمكنها أن تقف على الحياد.
فى عدد الشروق أمس الأول الجمعة، وفى صفحة الرأى كان هناك ملخص لمقالة مهمة كتبها ثلاثة باحثون فى معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى وهم الداد شافيط وأودى ديكل وعينات كورتس يتناولون فيها نفس القضية، وهى ما مدى إمكانية أن تقف إسرائيل ودول منطقة الشرق الأوسط موقف الحياد فى الأزمة، باعتبار أن إسرائيل لا تريد بالطبع أن تغضب أمريكا بسبب العلاقات الاستراتيجية بينهما، لكنها فى نفس الوقت لديها علاقات مهمة جدا مع روسيا سواء بالتنسيق الأمنى فى سوريا أو صفقات الأسلحة أو اليهود الموجودين فى روسيا.
وتنتهى الدراسة بتوصية تتضمن ضرورة إعلان إسرائيل لدعم واشنطن بسبب التزام الأخيرة بأمنها.
هذه التوصية وجدت طريقها للتنفيذ فورا بإعلان إسرائيل انحيازها للموقف الأمريكى والغربى، رغم أنها لم تذكر اسم روسيا فى البيان. الملفت للنظر أكثر أن روسيا ردت فى نفس اليوم بمجلس الأمن بإعلانها أنها لا تعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السورية المحتلة.
إذا كانت إسرائيل لا تستطيع أن تناور كثيرا فى هذه القضية، فهل تستطيع بقية دول المنطقة الوقوف على الحياد، أم تخاطر بخسارة صداقة أمريكا أوروسيا؟
أحد الاقتراحات أن يكون هناك موقف عربى موحد، أو على الأقل للدول العربية الفاعلة والمؤثرة، بحيث لا تجد كل دولة عربية نفسها وحيدة فى مرمى التهديدات السياسية من أمريكا أو روسيا.
بالمناسبة الاختيار الإجبارى بين تأييد أمريكا أو روسيا قد يتكرر قريبا أيضا إذا اشتد الصراع الاقتصادى بين أمريكا والصين.
ما الحل لهذه المعضلة؟!
من دون أن تملك أية دولة قرارها السياسى والاقتصادى وقوتها الشاملة فسوف تجد نفسها فى نار الاختيار المُر بين هذا الفتوة أو ذاك!!.
كان الله فى عون المضطرين فى البلدان المختلفة.