تعد العلاقت المصرية ــ الأوروبية نموذجا قيما، على العلاقات المتكاملة فيما بين الدول وبما يحفظ سيادتها، وفى ضوء توازنات القوى المتعددة، وبشكل عام تبرز العلاقات بين الدول على نحو جلى، فى عدة من مستويات التعاون بينهم، فى المقدمة منها المستويان السياسى والاقتصادى وما يخص دعم هذيين الجانبين من سبل التنسيق والانفتاح، غير أن دعم العلاقات السياسية بين أى جانبين يتطلب تبنى نفس القناعات ووجهات النظر بينهما، إلى جانب الدعم الواضح بالمحافل الدولية والإقليمية، والأهم التمثيل الدبلوماسى المتبادل، مع تعدد الزيارات وعلى عدة من المستويات بدءا من الرفيعة مرورا بالأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وحتى الدبلوماسية الشعبية وتبادل الثقافات والخلفيات، ولعل التعاون الاقتصادى أيضا يأتى ضمن المؤشرات على قوة العلاقات، وعبر الشراكة التجارية والتى يتم دعمها من خلال الاستثمارات المتبادلة والاتفاقيات الاقتصادية.
وبالرغم من الانفتاح المصرى فى العلاقات ما بين الشرق والغرب، إلا أن الانفتاح على أوروبا، وتحديدا الاتحاد الأشهر بمجموع دوله، شكل تعاون من نوع خاص، ربما اعتبرت التكاملية أبرز ما يميزه، وثمة عدة دوافع سياسية واقتصادية شكلت العلاقة بين الجانبين، وفى ضوء المتغيرات والمعطيات المعاصرة، وعلى المستويين الإقليمى والدولى.
ــ محورية القاهرة ورياديتها بالمنطقة، ما يمكنها من لعب دور جوهرى فى مكافحة الهجرة العشوائية، إلى أوروبا وعواصمها، ما عُد ضمن أبرز إشكاليات القارة العجوز، إضافة إلى خبرات القاهرة وتمرسها فى التعامل مع تحدى الإرهاب، ما يمثل الهاجس الأكبر للغرب فى مجموع دوله، وليست أوروبا فقط، بالتالى فإن مصر كفيلة بحفظ عدم توريد الجماعات الإرهابية إلى داخل الغرب، عبر محاربتها ومواجتها بالمنطقة نفسها، إضافة إلى السياسات الجادة فيما دعم الهجرات المنظمة ومساراتها، والأهم فتح الأبواب لأكثر من 6 ملايين لاجئ.
ــ الدبلوماسية المصرية الذكية والمتزنة، عبر تبنى قناعات ووجهات نظر قادرة على التعامل المنهجى مع مختلف القضايا الإقليمية والدولية، ومن ثم القدرة على تعبئة جهود وتوجهات الدول، وبما يخدم على معايير السلام والتنمية العالمية، وهو ما لا يفهم بمعزل اختيار مصر من بين دول الإقليم من أجل ترفيع العلاقات معها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، فى إيقان واضح بسياستها الخارجية ودبلوماسيتها الرصينة.
ــ الغرب يحتاج لمصر ودبلوماسيتها، سيما عقب بروز الدب الروسى وفوزه الساحق فى الانتخابات الرئاسية، ومن ثم بدء مرحلة جديدة ربما ستكون أكثر قوة فى التعاطى مع الحرب على أوكرانيا، بالمقابل ومن أجل التخديم على القضية الفلسطينية، فإن مصر تسعى لتدويل القضية عبر حصد تأييد الغرب فى المحافل الدولية والأممية، والتحركات فى ثلاث مسارات متوازية، إيصال المساعدات ووقف إطلاق النيران، والأهم التوصل للحل الجذرى ومفاده حل الدولتين وإقامة فلسطين على حدود ما قبل 1967 وعصمتها القدس الشرقية، وجميعها محاور تفسر دلالة وأهمية عنصر الوقت وآنيته فى تفعيل مثل هذه النوعية من الشراكات الاستراتيجية.
ــ الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات عدة تعلقت بتراجع مؤشرات النمو لدى معظم الدول، والأكثر صعوبة ارتفاع معدلات التضخم إلى نسب تذكر، ما أوجد الحاجة الملحة للتكامل فيما بين اقتصادات الدول. وفى ضوء اعتبارات مهمة، أبرزها أن الاتحاد الأوروبى يعد أهم شريك تجارى لمصر، كما تربطهما أكثر من اتفاقية اقتصادية، وما يزال الدعم التمويلى يتواصل من قبل الاتحاد لمصر، وأقرب صور هذا الدعم هى الحزمة الدولارية الأخيرة، والمقدرة بنحو 7 مليارات دولار.
ــ التوجه العالمى ناحية الطاقة النظيفة والمتجددة، وعقب التغيرات المناخية الكارثية، أوجدت الحاجة إلى ضرورة التعاون، سيما مع الاستثمارات المصرية والمتجه بقوة ناحية الهيدروجين الأخضر، وبما يقارب الـ 100 مليار دولار، لتعد مصر القبلة الأولى إقليميا فيما يخدم على هذه النوعية من الاستثمارات النظيفة، أيضا منتدى شرق المتوسط والذى تنظمه وتستضيفه مصر، بغرض تعزيز التعاون بينها وبين الدول الغربية المنتجة والمصدرة للغاز الطبيعى، مع تحقيق الاستفادة الكبرى من الاكتشافات واحتياطات الغاز، والأهم تأمين احتياجات الدول المشاركة وآليات العرض والطلب، وبالتزامن مع احتياجات الطاقة من قبل أوروبا وفى ظل تصاعد الأزمات. وهو ما جاء خلال القمة المصرية الأوروبية الأخيرة، حيث أشار الرئيس السيسى إلى التركيز على تعزيز التعاون فى مجال الطاقة بقوله «ركزت المباحثات على تعزيز التعاون سواء فيما يتعلق بمجال الغاز الطبيعى أو الربط الكهربائى، حيث اتفقنا على التعاون فى مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة النظيفة، وأكدنا مواصلة التعاون القائم، فى إطار منتدى غاز شرق المتوسط، لما يساهم به فى تحقيق أمن الطاقة على المستويين الإقليمى والدولى».