القول بأن حكومتك قتلت أكثر من 34 ألف فلسطينى فى ستة شهور، ليس معاداة للسامية، ولا مناصرة أو تأييدا لحماس.
والقول بأنك دمرت بنية قطاع غزة التحتية ونظامها الصحى و٢٢١ ألف مسكن، ليس عداء للسامية.
وإدانة تدميركم لجامعات ومدارس غزة وحرمان ٦٢٥ ألف فلسطينى من التعليم ليس عداء للسامية.
الكلمات والعبارات السابقة لم يقلها أحد أعضاء حركة حماس أو أحد مسئولى السلطة الفلسطينية، أو حتى من أى شخص عربى، بل إن قائلها هو بيرنى ساندرز عضو مجلس الشيوخ الأمريكى المعروف باتجاهاته اليسارية.
كلمات ساندرز الديمقراطى من ولاية فيرمونت وجهها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وكافة المسئولين الإسرائيليين المشاركين فى العدوان.
ساندرز يستحق الاحترام والتقدير، فهو صاحب مواقف مبدئية كثيرة أهمها على الإطلاق موقفه الأخير من العدوان الإسرائيلى.
ساندرز ناشط مهم ضد الدعم الأمريكى المفتوح لإسرائيل فى عدوانها المستمر على قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر الماضى. وآخر أقواله أواخر الأسبوع الماضى، إن ما تفعله إسرائيل فى غزة، لم يعد حربا ضد حركة حماس، بل حملة للقضاء على نسيج حياة الفلسطينيين.
ساندرز كان يتحدث أمام الكونجرس الأسبوع الماضى، حينما كان يناقش حزمة مساعدات مالية لإسرائيل، وقال إن ما يحدث فى غزة ليست حوادث أو أخطاء حرب وإنما سياسة محسوبة تنفذ بشكل منهجى منذ ٧ أكتوبر الماضى.
فى رأى ساندرز أنه من المستحيل النظر إلى كل هذه الحقائق وعدم الاستنتاج بأن سياسة الحكومة الإسرائيلية كانت تهدف لجعل غزة منطقة غير صالحة للحياة، وهو ما يحدث على أرض الواقع.
هذا السيناتور المحترم انتقد تحت قبة الكونجرس ما أسماه التواطؤ الأمريكى قائلا إن الحرب فى غزة هى حرب إسرائيلية أمريكية، وإن معظم القنابل والمعدات العسكرية التى تستخدمها إسرائيل ضد سكان غزة مقدمة من أمريكا ومن أموال دافعى الضرائب الأمريكية، فى حين أن إسرائيل تحاصر غزة، وتمنع وصول الغذاء والإمدادات الطبية للمحرومين.
مثل هذا النوع من النواب يستحق المزيد من الاحترام والتقدير، لأنه يقاوم وسط محيط هائل من التأييد الأمريكى لإسرائيل.
كان يمكنه أن يفعل مثلما يفعل غالبية أعضاء الكونجرس سواء كانوا فى مجلسى النواب والشيوخ، الذين يسبحون بحمد إسرائيل ليل نهار، لكنه انحاز لضميره ولإنسانيته وسبح ضد التيار العاتى وفند العديد من الأفكار الحكومية الأمريكية الخاطئة.
نعلم أن اللوبيات الإسرائيلية ومن يدعمها فى أمريكا أعلنت أنها بصدد رصد أموال ضخمة لإسقاط كل نائب انتقد السياسات والحرب الإسرائيلية فى غزة.
والمؤكد أن ساندرز النائب عن ولاية فيرمونت سيكون فى مقدمة المستهدفين من قبل الآلة الإسرائيلية الجبارة فى أمريكا والعديد من الدول الأوروبية.
نعلم أن ساندرز حاول الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطى عام ٢٠٢٠، لكنه انسحب من السباق لمصلحة جو بايدن الذى تغلب على منافسه الجمهورى الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب.
الواقع يقول إن أعداد وأمثال ساندرز قليلون فى الولايات المتحدة، خصوصا فى دوائر صنع القرار ووسائل الإعلام والدوائر شديدة التأثير، وحينما تتمكن القطاعات الجماهيرية الداعمة للحقوق الفلسطينية من تنظيم نفسها والدفع بالكثير من النواب أمثال ساندرز للكونجرس يمكن وقتها القول بأن هناك تغييرا ملموسا فى أمريكا سيحدث بشأن إسرائيل.