يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى شجاعته فى الموقف المصرى الواضح الذى أعلنه، مساء يوم الثلاثاء الماضى، من فوق منصة الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية.
الرئيس.. وخلال إلقائه كلمة مصر الرسمية قال:
«لا يمكن أن نتحدث عن تسوية المنازعات كمبدأ مؤسس للأمم المتحدة، ومؤشر على مصداقيتها، دون أن نشير إلى القضية الفلسطينية التى تقف دليلا على عجز النظام الدولى عن إيجاد الحل العادل المستند إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، والذى يضمن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ومرجعيات الحل العادل ومحددات التسوية النهائية معروفة، ولا مجال لإضاعة الوقت فى سجال بشأنها، فالمطلوب هو توفر الإرادة السياسية لاستئناف المفاوضات وإنجاز التسوية وفقا لهذه المرجعيات، وسأكرر هنا ما ذكرته فى سنوات سابقة على هذا المنبر، من أن يد العرب لا تزال ممدودة بالسلام، وشعوبنا تستحق أن تطوى هذه الصفحة المحزنة من تاريخها».
قبل هذه الفقرة التى تكشف موقف مصر المعلن تساءل السيسى:
كيف نلوم عربيا يتساءل عن مصداقية الأمم المتحدة وما تمثله من قيم فى وقت تواجه فيه منطقته مخاطر التفكك وانهيار الدولة الوطنية لصالح موجة إرهابية وصراعات طائفية ومذهبية تستنزف مقدرات الشعوب العربية، أو يتساءل عن عدم حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة للعيش بكرامة وسلام فى دولة مستقلة تعبر عن هويته الوطنية وآماله وتطلعاته؟».
قد يسأل البعض وما هو الأمر الذى يستحق الإشادة أو الشجاعة فيما أعلنه الرئيس؟!.
المسألة ببساطة شديدة إننا وصلنا إلى مرحلة فى المنطقة العربية هذه الأيام، صار فيها إعلان الموقف المبدئى خصوصا من القضية الفلسطينية أمر يستحق وصفه بالشجاعة!.
لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة ومنذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى يناير قبل الماضى، قد انقلبت على كل ثوابت السياسة الأمريكية، بشأن القضية الفلسطينية، هى نقلت سفارتها إلى القدس العربية المحتلة، وتحاول تفريغ قضية اللاجئين من محتواها، ووجهت ضربة قاصمة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، وطردت ممثل منظمة التحرير من واشنطن، وأعلنت بوضوح انحيازها الأعمى لإسرائيل، لدرجة أن مواقف بعض القوى والأحزاب الإسرائيلية اليسارية، صار أفضل حال من بعض أعضاء إدارة ترامب أو سفيره المتعصب والمتصهين فى فلسطين المحتلة ديفيد فريدمان، بل يتجرأ بعض أركان هذه الإدارة ويعلن أن الجولان أرض إسرائيلية وليست سورية محتلة!!.
إدارة ترامب تحاول تسويق «صفقة القرن»، وما نعلمه عنها حتى الآن أنها تلغى كل الحقوق الفلسطينية لمصلحة إسرائيل، ونسمع أن هذه الإدارة ستحاول تسويق هذه الصفقة فى الفترة المقبلة بالترغيب والترهيب.
بعض العرب أخطأ حينما تحمس لصفقة القرن، قبل أن يعرف بالضبط تفاصيلها وشروطها وأهدافها ونتائجها المتوقعة. لكن أن يتم معالجة الخطأ فهو أفضل كثيرا من الإصرار على السير فيه.
سمعنا وقرأنا أن المملكة العربية السعودية تراجعت عن دعم هذه الصفقة، بعد أن اكتشفت خطورتها ونتمنى أن يكون هذا الأمر صحيحا ودائما.
وسمعنا من أكثر من مسئول مصرى بارز نفس الموقف فى الفترة الماضية خصوصا نفى فكرة تبادل الأراضى بين غزة وسيناء والنقب.
لكن ما قاله الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يظل هو الأكثر وضوحا فى العودة للثوابت المصرية بشأن القضية الفلسطينية.
السؤال الجوهرى هو: كيف يمكن تفعيل هذا الموقف الثابت والمبدئى والمحترم إلى واقع على الأرض؟!
إعلان الموقف بهذا الوضوح شىء مهم ومحترم، لكن الأهم أن تكون هناك آليات وسياسات تضمن العمل على تحقيقه وتنفيذه.. والسؤال المهم هل نفعل ذلك وكيف وبأى وسائل وفى أى بيئة وهل نحن مستعدون لتحمل آثار الصدام مع أمريكا وإسرائيل فى هذا الصدد؟!.
الخطوة الأولى أن تتوقف «فتح» و«حماس» عن هذا العبث، ويقبلا بالمبادرة المصرية للتصالح والتوحد.. فلا أمل فى التقدم قبل ذلك.. ولا يمكن أن نلوم أمريكا وإسرائيل كثيرا فى حين أن الفلسطينيين عاجزون عن التوحد.