استعادة سوريا.. والتوازن الاستراتيجى فى الشرق الأوسط - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الجمعة 27 سبتمبر 2024 2:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استعادة سوريا.. والتوازن الاستراتيجى فى الشرق الأوسط

نشر فى : الخميس 26 سبتمبر 2024 - 7:00 ص | آخر تحديث : الخميس 26 سبتمبر 2024 - 7:10 م

تمثل سوريا حالة جيوسياسية شديدة التعقيد والصعوبة بموقعها فى قلب منطقة الشرق الأوسط، مجاورة ومتاخمة لقوتين إقليميتين هما تركيا وإيران ولكل منهما استراتيجيته وأهدافه وتوجهاته والتى تتعلق بدرجة أو بأخرى بسوريا، ومن جهة أخرى يجدر اعتبار التماس السورى المباشر مع الكيان الصهيونى القائم فى فلسطين المحتلة، والذى يحتل جزءا «عزيزا» من مرتفعات الجولان السورية، ثم الحدود السورية المشتركة مع العراق ولبنان والأردن بظروف كل دولة منها وأوضاعها.
تكمن فى الحالة السورية أيضا أبعاد استراتيجية وسياسية واقتصادية متشعبة باعتبارها تقع على خطوط تقاطع حركة النقل والتجارة الدولية بين الخليج العربى والعراق وإيران التى تمثل لهم سوريا منفذا استراتيجيا إلى البحر المتوسط، كما ترتبط بذات الموقع مخططات الرؤية الصينية لمشروع الحزام والطريق وامتداد طريق الحرير من آسيا الوسطى عبر إيران والعراق وسوريا ومنها إلى منطقة الشرق الأوسط.
• • •
الحالة الجيوسياسية السورية تمثل أهمية بالغة لاستراتيجيات القوى الكبرى، فبالنسبة لروسيا تعد سوريا حليفا تاريخيا عتيدا فى الشرق الأوسط، ولطالما توافقت سياسات الدولتين فى العديد من الرؤى والملفات، وانعكس ذلك فى تمركز أسراب المقاتلات الروسية فى قاعدة حميميم قرب اللاذقية، وفى رسو السفن الحربية الروسية فى قاعدة طرطوس البحرية.
أما عن الولايات المتحدة فهى أيضا حاضرة على الجغرافيا السورية، إذ تفرض لنفسها وجود عسكرى غير قانونى وغير مشروع فى مناطق مختلفة من شمال وشرق سورية فى الحسكة والرقة ودير الزور متخذة من قاعدة التنف على مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية مرتكزا لها، تحت ذريعة ومسمى التحالف الدولى لمحاربة تنظيم داعش، ولسبب آخر غير معلن هو الحيلولة دون نقل السلاح الإيرانى إلى سوريا ولبنان.
الدوافع الأمريكية الحقيقية لتواجدها العسكرى فى سوريا تتضح خطورتها عندما يتبين رعايتها لعدد يصل إلى 80 ألفا من مسلحى الميليشيات الكردية الذين يطلقون على أنفسهم اسم وحدات حماية الشعب الكردى/ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والذين تعدهم الولايات المتحدة ليكونوا نواة جيش الكيان الكردى الذى تخطط لإقامته فى شمال وشرق نهر الفرات مقتطعا ثلث أراضى الدولة السورية، فى سيناريو أمريكى لإقامة دولة كردية كإسرائيل جديدة.
ومنذ سنوات عدة تقوم الولايات المتحدة بتدريب الميليشيات الكردية وإمدادها بالأسلحة والذخائر والمهمات العسكرية وتدفع رواتب جنودها، وتتولى إرسال المميزين منهم إلى الولايات المتحدة للتدريب والإعداد، مع إعلان ما يسمى الإدارة الذاتية الكردية عقد انتخابات محلية فى المناطق الواقعة تحت سيطرتها بمنأى عن الدولة السورية، معززة التوجهات الانفصالية الكردية ومهددة كيان الدولة السورية ووحدتها وسيادتها.
هذه السياسة الأمريكية الخبيثة والخطيرة تجاه سوريا، لها أيضا بعدها الاقتصادى إذ تسيطر الميليشيات الكردية على الأراضى الزراعية فى شمال وشرق سوريا حيث مناطق إنتاج القمح، كما تفرض سيطرتها على المناطق الغنية بالنفط والغاز، وتحول دون استفادة الاقتصاد السورى منها وتصادر إنتاجها لحسابها، الأمر الذى يضغط اقتصاديا على الدولة السورية ويسهم فى المزيد من تدهور أوضاعها.
• • •
فى ذات الإطار فإن التصعيد الراهن فى الشرق الأوسط والمقترن بدرجة غير مسبوقة من التغول الإسرائيلى والعمليات العسكرية المستمرة منذ قرابة السنة فى قطاع غزة والتى ارتكبت أثنائها جرائم وحشية وإبادة جماعية لقرابة 45 ألف مدنى فلسطينى وإصابة وجرح وإعاقة أكثر من 150 ألفا وتدمير 85% من البنية الأساسية والفوقية لقطاع غزة الذى تحول لمنطقة دمار شامل لا تقل هولاً عن دمار هيروشيما وناجازاكى ودريسدن بل تجاوزتها جميعا بمراحل.
والأمر لا يقتصر على ما سبق، مع تحول الآلة العسكرية الإسرائيلية إلى المدن والبلدات الفلسطينية فى الضفة الغربية لتعيد فيها سيناريو الحرب الوحشية فى غزة، بهدف رئيسى هو القضاء على مقومات الحياة للفلسطينيين وتهجيرهم من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، والقيام بتصفية نهائية للقضية الفلسطينية.
أما جبهة الشمال الفلسطينى مع جنوب لبنان، حيث يتواصل القصف الإسرائيلى لقرى وبلدات جنوب لبنان، مع توسيع نطاق الضربات الجوية لقواعد حزب الله والتهديد بضرب بيروت والمدن اللبنانية وتدميرها.
السياسة الإسرائيلية والعمليات العسكرية الراهنة دون رادع أو مانع هى أبرز الأدلة على اختلال التوازن فى المنطقة، وفى هذا الخضم لم تكن سوريا أيضا ببعيدة عن الاستهدافات الإسرائيلية فطوال السنوات العشر الماضية لم تنقطع الغارات والضربات الإسرائيلية على المواقع والمراكز العسكرية السورية مستغلة تداعيات الأزمة السورية الداخلية وتراجع قدراتها الدفاعية بعد سنوات الحرب الطويلة.
ولعل أكثر ما يضفى التعقيد على الحالة السورية هو النهج الثابت للسياسة السورية التى تتخذ موقف المقاومة والتصلب تجاه الكيان الصهيونى، وهو الأمر الذى انعكس على سوريا فى حالة التنافر والعداء المستمر التى تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على الدوام فى مواجهة سوريا تأييدًا لإسرائيل.
ومع لجوء الولايات المتحدة لممارسة أقصى درجات الضغط على سوريا لجأت لسلاح العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية ضد سوريا بإصدار قانون قيصر الذى يفرض عقوبات على الأفراد والمؤسّسات التى تقيم علاقات أو تعقد صفقات تجارية مؤثرة مع الحكومة أو الشركات السورية.
وللأسف فالعقوبات الاقتصادية لم تنل إلا من الأفراد الأبرياء، فتم منع المواطنين السوريين من الحصول على تأشيرة دخول إلى معظم دول العالم، وتهديد الدول التى يمكن أن تتعاون مع سوريا اقتصاديا، وعلى أثر ذلك أخذت أحوال الاقتصاد السورى فى التدهور بفعل الأزمة والعقوبات بصورة لم يسبق لها مثيل.
• • •
وهكذا فإن الأخطار المحدقة بالدولة السورية لا تتعلق بها وحدها، بل تتعلق أيضًا بالأمن القومى العربى الذى شهد وما زال يشهد تداعيات خطيرة ومستمرة فى ظل عدم توازن المعادلات فى المنطقة، والذى يعد تأزم الوضع السورى الراهن أحد أسبابه ومظاهره التى يمثل استمرارها اختلالاً جسيمًا فى التوازن الاستراتيجى فى الشرق الأوسط.
وعليه كان تطابق التوجهات المصرية التركية نحو حل الأزمة السورية والحفاظ على وحدة وسيادة أراضى الدولة السورية ومساعدتها على تجاوز تداعيات الأزمة وإعادة بناء سوريا.
ومن جهتها انتهجت المملكة العربية السعودية سياسة حكيمة نحو سوريا للتقارب ووضع أسس جديدة للعلاقات والتعاون، مع الاتفاق على تفاهمات وأطر لحل الأزمة السورية والتغلب على أثارها وتداعياتها، وفى تتويج لتلك السياسة أعادت المملكة فتح سفارتها فى دمشق معلنة فتح صفحة جديدة فى العلاقات السعودية السورية، وعلى ذات النهج من التقارب سارت العديد من الدول العربية وفى مقدمتها الإمارات العربية المتحدة.
• • •
وسواء عادت سوريا إلى أمتها العربية، أو استعادت الأمة العربية سوريا، فإن الأمر فى النهاية سيحقق ما يجب أن يكون وهو إعادة بناء سوريا وتبوؤها مكانتها وموضعها ضمن أمتها العربية.
والسؤال الذى يطرح نفسه هو هل سيتحقق ذلك؟! أم أن هناك من سيسعى للحيلولة دون ذلك بكل قوته وبكل السبل تحقيقا لمصالحه ومصالح الكيان الصهيونى؟.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات