الصومال.. والتغــول الإثيوبي في شرق إفريقيا - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 7:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصومال.. والتغــول الإثيوبي في شرق إفريقيا

نشر فى : الإثنين 9 سبتمبر 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الإثنين 9 سبتمبر 2024 - 6:55 م

 يبدو أن إثيوبيا لا تعتبر نفسها دولة كبيرة وحسب، بل تعتبر نفسها دولة إقليمية مهيمنة قادرة على فرض رؤيتها ومخططاتها على الجميع، ويبدو أن ذلك مستمد من نظرة استعلائية فوقية تنظر إلى ما غيرها من دول وشعوب شرق إفريقيا على أنهم أقل منها شأنا ومكانة، لذلك فإن علاقات إثيوبيا مع دول جوارها لم تخل أبدا من الصراع والنزاع طوال الأعوام والعقود السابقة، حيث خاضت إثيوبيا العديد من النزاعات المسلحة والحروب مع دول الجوار؛ الصومال وإريتريا والسودان.

التغول الإثيوبى تجاه الصومال ممتد ومستمر منذ تم تكريسه بفعل الاستعمار الأوروبى، الذى منح لإثيوبيا قبل رحيله منطقة الهود ومنطقة جالبيد وإقليم أوجادين الصومالى ورسم الحدود بين البلدين لصالح إثيوبيا، فسعى الصومال لاستعادة أراضيه عدة مرات كان أهمها الحرب فى السبعينيات التى تمكن الصومال خلالها من تحرير معظم إقليم أوجادين، إلا أن القوى الشيوعية وفى مقدمتها الاتحاد السوفيتى سارعت بإمداد إثيوبيا بالسلاح وحولت ميزان الحرب لصالحها.

بعد انهيار حكومة محمد سياد برى، صارت حدود الصومال مستباحة للقوات الإثيوبية التى باتت تجتاحها وتتغول فيها فسيطرت على مدينتى لوق وبيدوا الصوماليتين، وباتت سياسة إثيوبيا من وقتها تقوم على الاستفادة من تردى الأوضاع فى الصومال وتعزيز تقسيمه بين كيانات يسهل التحكم فيها واستقطابها، فضلا عن تغذية النزاعات وتعميقها بين الأطراف المختلفة وإمدادها بالمال والسلاح إمعانا فى تفتيت الصومال ووحدته.

 •  •  •

 منذ ثلاثة عقود وبعد استقلال إريتريا عن إثيوبيا، باتت سواحل البحر الأحمر شرق إثيوبيا وموانئ مصوع وعصب جميعها موانئ للدولة الإريترية، وعليه تكونت لإثيوبيا معضلة جغرافية سياسية، بتحولها إلى دولة داخلية حبيسة لا سواحل لها، وهو ما لا يتفق مع رؤيتها لنفسها كقطب إقليمى مهيمن فى شرق إفريقيا، وهى المنطقة التى تعدها مجالها الحيوى ونطاق نفوذها ومخططاتها.

لجأت إثيوبيا اليوم لحل هذه المعضلة على حساب الصومال وسيادته وسلامة أراضيه، فأبرمت مذكرة تفاهم مع كيان يسمى نفسه جمهورية أرض الصومال وهو كيان لا وجود له ولا تعترف به أى دولة، وهذه المذكرة تتيح لإثيوبيا منفذا بحريا بطول 20 كم واستخدام ميناء بربرة على الساحل الجنوبى لخليج عدن لمدة 50 عاما، مع تطوير الطريق البرى لممر بربرة بطول 260 كيلومترا ليصل بين بربرة والحدود الإثيوبية.

فى المقابل تتعهد إثيوبيا بالاعتراف رسميا بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة «فى الوقت المناسب» مع مساعدتها اقتصاديا وعسكريا وأمنيا، كل هذا بمنأى عن الدولة الصومالية والحكومة الشرعية فى مقديشيو، وكأن إثيوبيا تشجع ضمنا على تقسيم الصومال وتفكيكه واستغلال ظروفه لاقتطاع جزء من أراضيه تحت مسمى الممر البحرى إلى ميناء بربرة، وبالطبع ستتواجد القوات الإثيوبية فى تلك المنطقة لتأمين حركة البضائع والمرور منها وإليها.

•  •  •

فى شهر يونيو الماضى وجّه سفير الصومال فى الأمم المتحدة اتهامات للقوات الإثيوبية بالقيام بعمليات توغل داخل الأراضى الصومالية، تمثلت فى عبور أربعة آلاف جندى إثيوبى الحدود الصومالية إلى منطقة هيران، الأمر الذى تمخضت عنه مواجهات مسلحة بين القوات الإثيوبية وقوات الأمن الصومالية.

وفى تصريح يخلو من الذوق واللياقة والدبلوماسية انتقد المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية ضعف سيطرة الحكومة الصومالية على الأوضاع الداخلية فى البلاد، ملوحا بأن حكومة الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود ليس لها سيطرة فعلية على الصومال إلا فى نطاق مقر القصر الرئاسى فى العاصمة الصومالية.

ومؤخرا قامت إثيوبيا بخطوة خطيرة بإعلانها تعيين ممثل لها بدرجة سفير لدى كيان جمهورية أرض الصومال المزعومة، وهو إن دل فإنما يدل على إصرار إثيوبيا على سياستها العدوانية تجاه الصومال وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه، بعقدها اتفاقا غير مشروع مع كيان انفصالى، يبيح لنفسه التفريط فى الأراضى الصومالية لإثيوبيا، التى تدفعها طموحاتها ومخططاتها لذلك.

وإمعانا فى تحدى الدولة الصومالية والحكومة الشرعية فى مقديشيو عقد رئيس كيان أرض الصومال المزعوم اجتماعا مع السفير الإثيوبى لمناقشة سبل تعزيز العلاقات والتعاون المستقبلى والقضايا الأمنية، وعقب اللقاء أصدر كيان أرض الصومال بيانا صعد فيه ضد مصر، وانتقد التعاون المصرى مع الحكومة الشرعية فى مقديشيو، معترضا على بروتوكولات التعاون والدعم المصرى للصومال.

 •  •  •

 من أجل ذلك كله كان تحرك الصومال نحو مصر «مستنجدا بها وطالبا معاونتها»، فتم توقيع بروتوكول للتعاون العسكرى بين الصومال ومصر، والتى تتسق مع اتفاقية الدفاع العربى المشترك والتى تتضمن الصومال كدولة عضو فى الاتفاقية وعضو فى جامعة الدول العربية.

ليست العلاقات المصرية الصومالية بجديدة، فمصر لها دور ممتد طوال الأعوام السابقة فى عملية إعادة بناء الجيش الصومالى وتدريب الكوادر الصومالية وتقديم المساعدات والخدمات الطبية والإنسانية للشعب الصومالى خلال موجات الجفاف وأزمات المجاعات، كما سعت مصر على الدوام للحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى الصومالية، وشاركت فى عدد كبير من مؤتمرات المصالحة الصومالية.

يأتى ذلك فى الوقت الذى تستعد فيه مصر للمشاركة فى جهود بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقى فى الصومال (AUSSOM) والمقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الإفريقى الانتقالية الحالية فى الصومال (ATMIS) بحلول يناير القادم.

 •  •  •

 التوجهات والجهود الإيجابية المصرية نحو الصومال ليست وليدة اليوم، بل تمتد العلاقات المصرية الصومالية فى عمق التاريخ إلى أربعة آلاف عام حيث درج ملوك مصر على إرسال السفن المصرية فى بعثات بحرية كبرى للتبادل التجارى مع الصومال المعروف آنذاك باسم بلاد بونت، وهى الرحلات المسجلة والمثبتة تاريخيا على جدران معبد الملكة حتشبسوت.

كذلك وعلى مدى التاريخ كانت مصر هى قبلة الدارسين الصوماليين للغة العربية والعلوم الدينية الإسلامية فى الأزهر الشريف، كما أنه فى الوقت الراهن يوجد مئات الطلاب الصوماليين للدراسات الجامعية والدراسات العليا فى الجامعات المصرية، فضلا عن التعاون البناء فى مختلف المجالات الاقتصادية والتقنية والتنموية.

إذن فالفرق شاسع بين السياسة الإثيوبية التى طالما انتهجت توجهات وسياسات لا تتفق مع الصومال ووحدته وسلامة أراضيه، والتى وصلت ذروتها بتوقيع الاتفاق المشبوه مع كيان غير مشروع وغير معترف به يقوم على تفتيت الصومال والتضحية بمصالحه المستقبلية الاستراتيجية، وبين السياسة المصرية التى تنتهج الدعم والمساندة والتعاون من أجل تعزيز وحدة الصومال وسيادته وحكومته الشرعية.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات