كل سنة وانتو طيبين.. عيد الأضحى كان دوما بالنسبة لى كطفلة مناسبة سحرية مليئة بالدراما والإثارة.. كنت أنتظر كل عام أحد الكبار ليحكى لى القصة المثيرة مرة أخرى.. هاجر تجرى بين الصفا والمروة حتى يتفجر ماء زمزم تحت أقدام الصغير إسماعيل... إسماعيل يعاون والده إبراهيم فى بناء الكعبة..
إبراهيم يسوق ابنه الحبيب إسماعيل لينفذ أمر الله ويذبحه.. وفى اللحظة الحاسمة يفدى الله إسماعيل بكبش عظيم.. قمة الإثارة والنهاية العادلة المرضية لقصة متكاملة الأركان، انتظار سماع تلك القصة والعيش فى ذكرى هذا الحدث السحرى المثير كانت أسبابا قادرة على جعل طفلة صغيرة ذات خيال نشط تعتز بتلك المناسبة وتنتظرها من العام للعام.. وبمرور الزمن كبرت وفهمت المعنى الأوسع والأهم للمناسبة الجليلة..
وبدأت أنتبه للقرعة والملابس البيضاء والأتوبيسات المتجهة للمطار.. وبدأت أنتظر وقفة عرفات والبث المباشر ومشهد الحجاج وهم يقفون متشابهى الملابس والملامح يرفعون أيديهم إلى السماء.. لكن الدراما مابتنتهيش.. مع الشعور بالسعادة لقدوم العيد كل سنة يخيم على الشعور بالحزن.. بافتكر أمى اللى توفاها الله بعد انتهاء موسم الحج.. ماتت ودفنت فى أطهر أرض فى جوار الرسول الكريم وأصحابه وزوجاته..
رزقها الله حسن الخاتمة وأنا سعيدة لها طبعا.. لكن الفراق صعبا.. وعندما تفقد أمك فى يوم العيد بتفضل دايما فرحته ناقصة ومتعكرة.. بعدها بسنوات صحينا أول يوم العيد وفطرنا مهانة لما قررت الإدارة الأمريكية مشاركتنا فى طقس التضحية وقررت تضحى برئيس عربى سابق وتدبحه ع العيد فى حركة طفولية سافلة وكأنها بتطلعلنا لسانها وتكبلنا بإيديها..
ورغم أن «صدام حسين» كان فى الفترة دى شخص مكروه ومعظم الناس كانت بتتمنى معاقبته على ما اقترفه أيام حكمه للعراق لكن إعدامه على إيد الأمريكان وفى الوقت ده أصبح رمز لعجزنا وكرامتنا المهدرة.. والآن 2009 ــ 1430 هجرية.. قمة الدراما.. يقف المسلمون على جبل عرفات ويتنفسون نفس الهواء الذى حمل كلمات الرسول الكريم فى خطبة الوداع منذ أكثر من 1420 سنة: «أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، فى شهركم هذا، فى بلدكم هذا. ألا هل بلَّغتُ؟ اللَّهم اشهد»..
هل يسمعها حاج جزائرى الآن ويقع معناها فى قلبه بعد ما كان من عدة أيام بيتفرج وهو سعيد على فيديوهات اعتداء أولاده على مشجعين كورة رايحين يتفرجوا على ماتش كورة وقوبلوا بالطوب والأسلحة البيضاء؟ وقبلها شركة ــ صاحبها يمكن يكون واقف جنبه ــ بتتكسر وتتسرق وتتحرق باللى فيها وكان بيقول لنفسه يستاهلوا.. إدوهم كمان ياولاد؟
«أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلُّكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربى على أعجمى فضل إلا بالتقوى».. هل يسمعها حاج مصرى الآن ويقع معناها فى قلبه بعد ما كان من عدة أيام بيتصل ببرنامج تليفزيونى ويصرخ: دا احنا اللى أكلناهم بعد ما كانوا جعانين.. دا احنا اللى لبسناهم بعد ما كانوا عريانين.. دا لولانا كانوا هيفضلوا محتلين.. نسيوا نفسهم والا إيه؟ هيعملوا راسهم براسنا؟.
«أيها الناس: اسمعوا منى أبين لكم، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا، فى موقفى هذا» ..مش عارفة يا رسول الله لو كنت قابلتنا فى عامنا هذا فى حالنا هذا كنت قلت لنا إيه؟..فى المناسبة الوحيدة اللى بيتجمع عليها المسلمين من كل أنحاء الأرض..
والشهر الوحيد اللى بيبدأ فى كل البلدان فى نفس الوقت.. فى الشهر الحرام اللى بترتفع فيه دلوقت دعوات المقاطعة والطرد ويمكن بعد شويه الحرب بين بلدين أغلب سكانهم مسلمين وموحدين.. وكل ده بدأ من ماتش كورة.. لو كنت معانا دلوقت.. وشفتنا واحنا كده.. كنت هتقولنا إيه؟.. نشهد يا رسول الله أنك بلغت الأمانة ولكن.. هل سمعنا؟.. أقولكم إيه.. كل سنة وانتو طيبين.