أولا وقبل كل شىء أتقدم بخالص العزاء لعائلات ضحايا قرية الروضة فى شمال سيناء ولمصر كلها على من فقدناهم من أبرياء جراء الأعمال الإرهابية الوحشية التى آلمتنا جميعا.
•••
شهدت بعض المدن الكبرى فى مصر، خاصة القاهرة والاسكندرية، حملات انتخابية نشطة، واسعة الانتشار وكثيفة الانفاق، للفوز بمقاعد العضوية فى مجالس إدارات بعض الأندية الرياضية الاجتماعية الكبرى، ولايزال أمامنا انتخابات النادى الأهلى العريق الذى يشهد أضخم الحملات الانتخابية نشاطا وترويجا وإنفاقا.
انشغل الكل وفوجئ باتساع الاهتمام بالترويج لهذه الانتخابات والذى تجاوز صفوف النوادى والمناطق المجاورة لها، ووصل إلى الكبارى والأنفاق والطرق السريعة والضواحى، كما طغت أخبار الانتخابات على الصحف والنشرات الإخبارية ومشاركات الناس على شبكات التواصل الاجتماعى.
اندهشنا جميعا بحجم الدعاية الانتخابية وما أنفق عليها، بما يتجاوز أى منطق لعمل تطوعى عام، يفترض منه عدم حصول المشاركين فيه أو الداعمين له على أى مردود مادى مباشر أو مزايا شخصية، وقد توقف عدد كبير من المحللين والمواطنين ــ ولهم كل الحق فى ذلك ــ حول هذه المسألة بالتحديد، وتساءلوا بقدر من الشك والريبة عن مبررات هذا الأمر، وعن العائد الذى سيعود على فرد أو شركة من الاسهام بمبالغ طائلة للحصول على عضوية مجالس إدارات النوادى، أو دعم مرشح عن غيره.
ورغم قلقى البالغ من الإفراط الشديد فى الإنفاق الدعائى غير المنطقى لأنه يخل بتوازن الفرص، إلا أننى سعدت كثيرا بالمشهد الانتخابى العام، وما شهدناه من مشاركة نشطة من المرشحين والناخبين.
تجاوز عدد المرشحين فى أغلب الأحيان ضعف عدد المقاعد المخصصة فى مجالس إدارات النوادى لكل الفئات.
كما قام كل مرشح بإعداد برامج أو اقتراحات محددة يتطلع لتنفيذها مستقبلا دون الاكتفاء بالإنجازات السابقة أو الارتباطات القديمة بالنادى المرشح فيه.
وفضلا عن كل ذلك عقد المرشحون حوارات كبرى وجلسات صغيرة متعددة مع مجموعات مختلفة من الناخبين لشرح أفكارهم والرد على أسئلتهم على أمل الحصول على صوتهم الانتخابى، بما يكرس مبدأ أن المرشح يمثل الأعضاء ويحاسب على أدائه من جانبهم.
كما استوقفنى شخصيا نسبة المشاركة العالية من الناخبين التى تجاوزت فى بعض الأحيان ما نشهده فى الانتخابات السياسية العامة، وخاصة البرلمانية الأخيرة، ووصلت فى بعض النوادى إلى 40 فى المائة ممن لهم حق التصويت، مما يعكس حماس الناخبين للمشاركة، بمراحل عمرية مختلفة من الرواد والشباب والرجال والنساء بمختلف انتماءاتهم واهتماماتهم.
وناقش كثير من الأصدقاء والزملاء من روادى النوادى هذا المشهد المثير للاهتمام، وتابعوا المنافسة الشرسة بين مؤيدى المرشحين دون توتر حاد إلا كاستثناء عن القاعدة العامة التى اتسمت بالطابع الحضارى والسعى لحماية الكيان الذى ينتمى إليه الناخبون جميعا.
وهناك على الأقل ثلاثة دروس مهمة يمكن استخلاصها من كل هذا.
أولا: إن إجراء عملية انتخابية بين أكثر من مرشح فى مصر أمر وارد ومتاح، ويمكن إنجازه بشكل حضارى وآمن طالما تم فى شفافية كاملة وتساوت الفرص بين الخيارات المتاحة.
ثانيا: إن المرشحين المستقلين استطاعوا بالتفاعل مع المجتمع المدنى بلورة برامج وتنظيم حملات انتخابية دسمة ومنظمة رغم أن كل هذا كان خارج سياق أى عمل حزبى أو مؤسسى.
ثالثا: وهذا درس بالغ الأهمية، ألا وهو أن المواطن المصرى يترشح ويدلى بصوته كلما وجد المناسبة والمكان الذى يخدم مصالحه ويصون المكان الذى ينتمى إليه، مما يجعله يتطوع لتحمل المسئولية وينشط فى إبداء صوته مع اختلاف الرؤى والآراء، وقد شاهدنا ذلك فى الساحات الانتخابية لمختلف النوادى فى الأيام الأخيرة، بصرف النظر عن أن هذه النوادى تمثل فقط فى أغلب الأحيان الطبقة الوسطى من المجتمع المصرى.
هذه ملاحظات سريعة ودروس مهمة علها تكون بداية لمناخ سياسى وانتخابى مصرى نشارك فيه جميعا ونفخر به فى مشروع بناء مصر الحديثة.