ليلة قرأت هذه القصة لم أتمكن من النوم. قرأتها على صفحة صديقة على فيسبوك تحكى كيف التقت مصادفة برجل وسيدة وصلا إلى القاهرة من الأقاليم وهما يحملان لفافة صغيرة فيها طفلهما حديث الولادة. الطفل واحد من نحو ربع مليون يولدون سنويا قبل الأوان ويسمونهم الأطفال الخدج أو المبتسرين والذين يحتاجون فى أسابيعهم الأولى إلى حضانات تساعدهم فى البقاء على قيد الحياة.
تاه الريفيان فى شوارع القاهرة وهما يبحثان عن عنوان مستشفى حكومى كبير أرادا اللجوء إليه لإنقاذ الروح الصغيرة المسكينة، فقررت السيدة أن تتطوع للمساعدة. استقلت معهما عربة أجرة وأخذتهما إلى المستشفى لتسمع هناك أن الحضانات كلها ممتلئة وأن المستشفى لا مكان فيه للطفل. تنتحى السيدة بإحدى الممرضات جانبا وتحاول «التفاهم» معها فتعرف منها أن المستشفى به حضانات فارغة ولكنها «محجوزة» دائما لحالات الطوارئ. تنفست السيدة الصعداء بشكل مؤقت. ظنت أن حالة الطفل الذى تصاحب والديه يمكن اعتبارها حالة طوارئ، إلا أن صدمتها الأولى فى هذه الرحلة كانت إدراكها أن الطوارئ هنا لا علاقة لها بحالة المريض ولكن بدرجة قربه من المسئولين وأصحاب القرار، وأن النسبة الفارغة من هذه الحضانات إنما حجزت لأصحاب التوصيات والمسئولين الذين ربما يصل أحدهم إلى المستشفى فى أى وقت.
تنضم الممرضة إلى صاحبة القصة، وسائق التاكسى، والريفيين لتصحبهما فى رحلة إلى ضواحى الجيزة، حيث يوجد مركز خاص للحضانات، سنعرف فيما بعد أنه مملوك لمدير المستشفى الذى تركناه للتو. سيشعر قراء القصة جميعهم بالراحة عندما يعلمون أن المركز به حضانات فارغة تنتظر طفلنا المسكين، إلا أننا سنعلم بعدها مباشرة، أن تكلفة الليلة الواحدة هى أربعة آلاف جنيه، وأن المدة التى سيحتاجها الطفل ستصل إلى عدة أسابيع بتكلفة تزيد على مئة ألف جنيه. يسقط فى يد الوالدين فينسحبان من المشهد وهما يحملان روحا هشة يعلمان أن وقتا طويلا لن يمر عليها قبل أن تلقى بارئها، فيما تنهمر دموع صاحبة الرواية وسائق التاكسى الذى أبى أن يتقاضى أجرا بعد أن جاب معهم شوارع المحروسة من أقصاها إلى أقصاها دون فائدة.
المشكلة مزمنة وتعتبر من موضوعات التحقيقات المألوفة فى صحف مصر ومواقعها الإخبارية. تختلف الأرقام وأحيانا تتضارب ولكن الإجماع موجود على أنها مأساة.
ولكن أين الحل؟ هل هو فعلا فى شراء المزيد من وحدات الرعاية التى يدور ثمن الواحدة منها حول مبلغ ربع مليون جنيه؟ وهل سيظل ضعف الإمكانات هو الإجابة الوحيدة التى نقدمها لكل مشاكلنا المزمنة؟
منذ أسابيع فاز طالب هندى يدرس الماجستير فى لندن بجائزة، بعد أن صمم حضانة تصنع من الورق المقوى (الكرتون) لتقدم حلا عمليا ورخيصا مئات الآلاف من أطفال الفقراء الخدج حول العالم. صندوق بسيط يوفر لهم البيئة اللازمة فى الأسابيع الأولى من الولادة، حيث يحتاجون بشكل أساسى إلى ما يحميهم من الجراثيم ويوفر لأجسامهم درجة الحرارة مناسبة.
«صندوق حياة الطفل» أو «بيبى لايف بوكس» ليس اختراعا تقنيا متطورا بقدر ما هو نموذج لطريقة فى التفكير. لن يحل صندوق كهذا مشاكل المحسوبية والفساد وسوء الرعاية، ولكنه يلخص الدور الذى يمكن أن تلعبه الجامعة والتفكير الخلاق، فى التعامل مع التحديات، وفى خدمة الفقراء الذين لا يعرفون واسطة تشفع لهم عند مدير المستشفى الحكومى الكبير.