قراءة فى الجولات الخارجية القادمة للرئيس - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 7:12 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى الجولات الخارجية القادمة للرئيس

نشر فى : الأحد 27 يناير 2013 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأحد 27 يناير 2013 - 8:25 ص

تحدى مصر الأكبر الآن هو فى توفيق أوضاعها الداخلية، ببدء تصويب الدستور المصرى الجديد، وإجراء انتخابات شفافة ونزيهة تحظى بالمصداقية لدى الجميع، من خلال وضع قانون سليم لانتخابات يُفضَل أن تتم تحت مراقبة دولية ضمانا لحياديتها وحسن إدارتها على أمل أن يخفف ذلك من حدة الاستقطاب فى الساحة المصرية، الذى أصبح يهدد مصالح وأمن وأمان المواطن العادى.

 

 وسيحدد نجاح تحركنا الداخلى إلى درجة كبيرة قدرتنا على التعامل مع القضايا الخارجية الإقليمية والدولية بعضها سيفرض نفسه علينا، وبعضها نختاره لدعم الوضع الداخلى اقتصاديا وأمنيا. أو نستغله لجذب الانتباه، بعيدا عن مشاكلنا الداخلية المستعصية.

 

•••

 

ومن المفترض أن يكون لنا تصور لسيناريوهات الغد، وأن نضع فى إطاره تحركنا الخارجى عامة، والأهداف الخارجية المحددة على المدى القصير والبعيد، وهو تصور للأسف لا يزال غائبا، أو على الأقل غير معلن عنه حتى الآن، رغم أن الربع الأول من هذا العام سيشهد تحركا خارجيا نشيطا للرئيس مرسى، بالمشاركة فى مؤتمرات قمة عربية وافريقية وإسلامية، وزيارات أوروبية فى ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها من الدول.

 

 ولكل من هذه الدول والزيارات خصائصها، قد تتباين فى أولوياتها واهتماماتها تجاه مصر، وهناك أيضا الكثير المشترك فى أغلبها، ومنه:

 

أولا: ستستقبل كافة الدول ــ وخاصة الغربية ــ الرئيس المصرى بإيجابية، وتسعى لطمأنته أنها قبلت نتيجة الصندوق الانتخابى المصرى، وأنها على استعداد للتعامل مع التيار السياسى الإسلامى دون حساسية، وإن كان من المتوقع أن يكون الاستقبال فى الدول العربية الإسلامية أكثر حذرا.

 

ثانيا: ستقدم مساعدات اقتصادية مختلفة، مع جعل انتقال الوعود إلى حيز التنفيذ مرهونا بتوصل مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى على قرض، فى إطار برنامج مالى واقتصادى متكامل تلتزم به مصر ويراقبه الصندوق.

 

ثالثا: تترقب الدول الأجنبية حقيقة مواقف التيار السياسى الإسلامى، ومدى استعداده للتعامل فى مجتمعاتهما، وستسعى إلى استجلاء موقف الرئيس المصرى والتيار الإسلامى من «الغير» فى الخارج وفى مصر، كان ذلك الأقليات، أو المعارضة، فضلا عن الموقف من قضايا المرأة.

 

رابعا: ستطرح الدول الغربية استئناف الاتصالات بين أجهزتها والأجهزة المصرية المقابلة فى المجال الأمنى والمعلوماتى، وبالتحديد فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، لاستخلاص ما إذا كان التيار السياسى الإسلامى يعطى الأولوية لمسئولياته الوطنية أم لأيديولوجيته السياسية الدينية، وإذا كان بالفعل قد نبذ العنف ويعمل على ويتعاون فى التصدى له.

 

خامسا: ستهتم الدول بمعرفة التصورات المصرية لعلاقاتها بإيران وكذلك بالأشقاء العرب فى الخليج العربى، فى ضوء الاتصالات المصرية الإيرانية القادمة على مستوى القمة، وما يتردد عن ترتيبات استثنائية للسياحة الإيرانية، والتفكير فى تلبية احتياجات مصر فى الطاقة من إيران، فضلا عن تصريحات للدكتور الكتاتنى عن أن الثورة الإيرانية كانت مصدر إلهام للربيع العربى. وستكون هناك متابعة دقيقة لتداعيات مثل هذه الخطوات على العلاقات المصرية مع دول الخليج العربى، التى لا تخفى قلقها من التيار السياسى الإسلامى، وتنزعج من فتح باب الحوار المصرى الإيرانى بشكل خاص.

 

سادسا: ستُطرح تساؤلات، خاصة فى الولايات المتحدة وألمانيا، عن موقف التيار السياسى الإسلامى من استقرار الجبهات العربية الإسرائيلية عامة، بما يتجاوز مجرد الحفاظ على اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى، ليشمل دور مصر فى ضبط الوضع الأمنى فى غزة، وبذل أقصى جهد لكبح جماح التيارات الأكثر تطرفا فيها، بمنع إطلاق صواريخ قصيرة المدى على إسرائيل من غزة، أو عدم السماح لتوريد مواد تستخدم فى إنتاج هذه الصواريخ داخل القطاع، أو حتى مواد تُستخدم فى تحصين مواقع إطلاقها مثل الأسمنت.

 

وسيُطرح الوضع فى سيناء، ومدى سيطرة مصر على الأوضاع الأمنية بها، بعد أن عبثت فيها الفوضى وانتشرت بها الأسلحة، ويُتوقع أن يثير الجانب الأمريكى وكذلك الألمانى على الأقل الطلب الإسرائيلى المتكرر بأن تستأنف الاتصالات الأمنية عالية المستوى بين مصر وإسرائيل، والتى شهدناها ارتباطا بأحداث غزة والتفجيرات التى شهدناها فى سيناء.

 

ولن تمر زيارة الرئيس المصرى إلى الولايات المتحدة دون إثارة مسألة عودة السفير المصرى إلى إسرائيل لحث مصر على تطبيع علاقاتها سريعا، فلم يكن محض المصادفة إثارة تصريحات الرئيس مرسى عن الصهيونية الآن، رغم أنها صادرة منذ عامين، أو أن مستشار الأمن القومى الإسرائيلى استبعد إمكانية قيام الرئيس المصرى بزيارة الولايات المتحدة قبل عودة السفير المصرى إلى إسرائيل.

 

سابعا: رغم الترحيب بالموقف المصرى القوى من سوريا، سيتم استيضاح موقف التيار الإسلامى المصرى من التيارات السورية السنية الأقل اعتدالا، فى قراءة مستقبلية لنفوذ الهلال السنى شرق اوسطيا.

 

•••

 

فى المقابل لن تختلف أهداف الرئيس مرسى فى زياراته القادمة جوهريا فيما بين دولة وأخرى، فيهمه:

 

أولا: الحصول على توافق دولى حول مشروعية قيادة التيار الإسلامى لمصر، أمام تشكيك المعارضة المصرية فى ذلك، رغم نتائج الصندوق الانتخابى.

 

ثانيا: تصوير المعارضة داخليا بالطرف المتزمت السلبى، لرفضها الحوار معه، رغم إقرار المجتمع الدولى بمشروعية قيادته، لاستغلال ذلك لصالح التيار السياسى الإسلامى فى الانتخابات البرلمانية القادمة.

 

ثالثا: تقدير حقيقة المساحة المتاحة للتيار السياسى الإسلامى للحركة إقليميا، وخاصة بالنسبة للخليج العربى والدول المشرقية جوار إسرائيل.

 

رابعا: تجنيب مصر أزمات أو مواجهات خارجية على المدى القريب، حتى تتمكن من ترتيب وضعها الداخلى، وسيعمل على إعطاء رسالة إيجابية لمضيفيه، العرب والأفارقة، أو الغربيين، لطمأنتهم أن مصر لن تصدر ثورتها عربيا، وأنها تنظر للدول الأفريقية من منظور الأخوة والمصلحة المشتركة دون تعالٍ أو ريبة، وأن السياسات الإستراتيجية والأمنية المصرية بدعم السلام العربى الإسرائيلى الشامل، أو بنبذ الإرهاب لن تتغير.

 

خامسا: إعادة الثقة فى الشارع المصرى تجاه المستقبل، من خلال الحصول على دعم مالى واقتصادى سريع، وإذا لم يتحقق ذلك سيتم تداول تصريحات وعناوين براقة عن العلاقات الإستراتيجية أو الشراكات الدولية، حتى وإن كانت تعبر فقط عن أمانى وطموحات.

 

سادسا: إبراز قدرته على التحرك خارجيا، وبقدر غير قليل من الاستقلالية، مع التنويه للجميع أن لديه بدائل للحركة حتى لا يُتَهم بأنه يكرر ما كان يفعله سلفه، وهنا سيواجه تحديات حقيقية، فالعلاقة مع إيران ستشكل بالنسبة له حساسية مع الدول العربية الخليجية، وبدرجات تتجاوز ما قد تثيره من حساسيات بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، فضلا عن أن تبنى مصر اللواء السنى الإسلامى يثير حساسيات دقيقة مع إيران ذاتها من ناحية، وكذلك مع المملكة السعودية، والتى ترى لنفسها موقعا رياديا فى تلك الرسالة، مقابل ريادة مصر التقليدية للدعوة القومية العربية.

 

وتثير علاقات مصر الجديدة مع حماس السلطة الفلسطينية، ورغم أن اقتراب مصر من حماس ممهد أيديولوجيا، إلا أنه يحمّل كلاهما مسئوليات قد تكون أكبر من حجمهما الحالى، بالنسبة لتأمين غزة، وكذلك سيناء، خاصة مع وجود أطراف لا تخضع لسيطرة هذا أو ذاك.

 

كما أن حاجة مصر لدعم خارجى فى شكل منح أو قروض أو زيادة استثمارات، يفرض عليها التفاعل بشفافية مع النظام المالى والاقتصادى الدولى، بكل ما للدول الغربية من نفوذ سياسى فيه يفرض عليه مراعاة اهتماماتهما السياسية، فضلا عما يتطلبه من قرارات اقتصادية محلية صعبة وضرورية وإن قد لا تحظى بتأييد شعبى.

 

•••

 

أعتقد أن مصر تحت ريادة التيار السياسى الإسلامى والعالم الخارجى على يقين حقيقى أن كليهما لا يستطيع إغفال الآخر، لذا سيسعيان لإعطاء رسالة إيجابية للطرف الآخر، غير أن عدم وجود تجربة سابقة بينهما ستجعلهما يترقبان الموقف ويسعيان لجس النبض، والتدرج فى تطوير العلاقات.أتوقع بعض النتائج الإيجابية من تحركنا الخارجى خلال الأشهر القادمة، ولدى قدر لا بأس منه من التفاؤل أن التصريحات والعناوين الصادرة من الجانبين عقب هذا النشاط ستتجاوز كثيرا النتائج الإيجابية الملموسة منها لتثبت أن المجتمع الدولى يدعم المشروع المصرى لإقامة دولة ديمقراطية تسودها قوة القانون. وأن تساهم مصر فى المنظومة الدولية المتعددة الأطراف والتوجهات، بما يعنى احترام الذات وقبول الغير فى نفس الوقت بالتعامل بموضوعية وصراحة مع الأطراف المختلفة فى المجتمع الدولى بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معهم فى إطار القانون والمعايير الدولية المتعارف عليها

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات