نشر موقع National Security Archive مقالا للكاتبة Svetlana Savranskaya تناول فيه أحداث اللقاء الذى نشر أخيرا بين ألكسندر ياكوفليف وجورج كينان... نعرض منه ما يلى:
فى اجتماع حدث عام 1990 فى موسكو، ولم ينشر من قبل، تناقش المُصلح السوفيتى ألكسندر ياكوفليف مع جورج كينان حول مقالته التى عرفت باسم «مقالة إكس» أو «Long Telegram» ــ وهو المقال الذى كتبه فى فبراير 1946 ونشرته مجلة فورين أفيرز، اقترح من خلاله سياسة احتواء الاتحاد السوفيتى والشيوعية وكان أساسا للكثير من سياسات الحرب الباردة. فى الواقع، جورج كينان كتب هذا المقال بينما كان راقدا فى سريره بسبب إصابته بالإنفلونزا، ومعاناته من مشاكل بالجيوب الأنفية، وشعوره بالضيق، وفقا لما ذكر فى الوثائق والنصوص التى نشرها أرشيف الأمن القومى احتفالا بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لبرقية كينان من موسكو، والتى شكلت الحرب الباردة وسياسة الولايات المتحدة تجاه الاتحاد السوفيتى.
ينشر الأرشيف لأول مرة الحديث الذى جرى بين جورج كينان وألكسندر ياكوفليف ــ وهو المهندس الروسى الذى وضع برنامج الإصلاح الاقتصادى «بيريسترويكا» فى عهد جورباتشوف ــ والذى ناقشوا فيه النتائج التى ترتبت على «مقال إكس» وعلاقته بوضع الاتحاد السوفيتى عام 1990 والمشكلات التى واجهها الإصلاحيون السوفييت.
تم عقد اجتماع ياكوفليف ــ كينان فى موسكو 5 أكتوبر 1990... بعد حضوره احتفالات إعادة توحيد ألمانيا، ذهب كينان إلى موسكو محاولا المتابعة عن كثب البيريسترويكا السوفيتية واستخدام كل ما امتلك من معرفة وخبرة من دراسة التاريخ الروسى لفهم ما كان يحاول جورباتشوف وأنصاره إنجازه.
تمت معظم المحادثة باللغة الروسية، وكانت نبرة الحوار دافئة خيمت عليها الثقة، كما لو كان الاثنان أصدقاء قدامى. فى الواقع، نظر الإصلاحيون السوفييت إلى كينان كصديق لروسيا بسبب موقفه المناهض للحرب والمناهض للقوة النووية، وبسبب دراسته الطويلة لروسيا. قال جورباتشوف بنفسه لكينان فى حفل استقبال بالسفارة السوفيتية بواشنطن أن «فى روسيا نؤمن بأن المرء يمكن أن يكون صديقا لدولة أخرى، وفى نفس الوقت يكون مواطنا مخلصا لدولته، وهذه هى الطريقة التى ننظر بها تجاهك».
بدأ ياكوفليف وكينان نقاشهما بالحديث عن «مقال إكس»، وكلاهما اعترف أن الزمن تغير كثيرا لدرجة أن كينان لم يكن ليكتب المقال بهذه الطريقة اليوم، فى وقت اجتماعهما. إلا أن كينان اتفق مع ياكوفليف على أن هناك أجزاء من المقال تظل صحيحة ــ وخاصة فى الجزء الذى تحدث فيه كينان عن أهمية تقوية النظام الداخلى للولايات المتحدة وجعله جذابا للشعوب الأخرى. تشارك كلا المفكرين لغز فهم شخصية ستالين وضخامة الجرائم التى ارتكبها نظامه، والذى اعتقد كينان أن الكثير من أمراضه السلوكية نبع من إحساسه بالدونية، وهو إحساس لم يسكن أبدا.
وفى حديث عن أحوال الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت، ناقشا مشاكل الزراعة، وقلة المبادرات والمسئولية الشخصية، وأزمة العائلات. اشتكى كلاهما من المجمعات الصناعية العسكرية فى بلدهما التى يحركها منطق تحول احتمالية الحرب إلى حتميتها مع نمو مستويات التسلح وتعاظم تصورات التهديد. تحدث ياكوفليف عن التاريخ المأساوى لبلاده فى القرن العشرين والضرر الذى أحدثه لثقة الشعب فى مؤسساتهم السياسية، وأكد كينان أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا وجيلا جديدا بالكامل لتغيير ذلك الوضع.
بالإضافة إلى كونه مراقبا ذكيا وباحثا عظيما فى الحياة السوفيتية، فإن كينان هو أيضا صديق روسيا المتعاطف والودود. عبر عن إعجابه بالمعلمين السوفييت، والمواهب الطبيعية للشعب الروسى، وإيمانه بتجربة جورباتشوف... فى نهاية الحديث، تماما كما فى «مقال إكس»، تحدث عن الوضع الداخلى فى الولايات المتحدة وتحدث أن «مشاكلنا الداخلية الخاصة، مختلفة عن مشاكلكم، ولكنها أيضا شديدة الخطورة». كما حذر ياكوفليف من اتخاذ كل شىء أمريكى نموذجا للشباب السوفيتى. وفى حين دعم كينان فكرة الزيارات والتبادلات، اقترح أنه «عندما يأتى الشباب السوفييت لزيارتنا، يجب ألا يقلدوا ما يفعله الشباب الأمريكى فقط. يجب تعليمهم أن ينظروا إلى شبابنا بشكل نقدى، وأن يقرروا بأنفسهم ما يتبنوه وما يرفضونه من حضارتنا».
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى هنا