فى البداية أدعو الله سبحانه وتعالى أن يتوفى الأستاذ فريد عبدالخالق بالرحمة والمغفرة، وأن يرفع درجاته فى الجنة، وأن يجزيه خير الجزاء على نضاله وجهوده وجهاده عبر مسيرة امتدت أكثر من سبعة عقود.
سمعت عنه كثيرا قبل أن ألتقيه، وكان لقائى الأول به فى منزله القديم بشارع الشيخ محمد الغزالى بالدقى فى عام 1988 إذا لم تخنى الذاكرة، وحقيقة الأمر أننى كنت أقوم بتوصيل أبى حفظه الله ليلتقى به، وحضرت اللقاء بالصدفة، ولم أصدق ما سمعته فى هذا اللقاء.
كان الأستاذ فريد والشيخ القرضاوى يتحدثان عن سوء إدارة «مجموعة النظام الخاص» لجماعة الإخوان المسلمين.
فى تلك اللحظة اكتشفت لأول مرة فى حياتى أن والدى قد ترك تنظيم الإخوان المسلمين، وأنه على خلاف كبير مع أسلوب قيادة الجماعة، واكتشتفت أيضا أن الأستاذ فريد عبدالخالق ــ وكثيرا من القيادات التاريخية ــ قد تركوا التنظيم أيضا، واكتشفت أن كثيرا من المشاكل كانت بسبب السيد المرحوم مصطفى مشهور.
كان الأستاذ فريد عبدالخالق يتحدث بألم شديد عن مقابلة طلبها هو ومجموعة من رموز جماعة الإخوان المسلمين ليجلسوا مع السيد مصطفى مشهور، فما كان منه إلا أن تركهم عدة ساعات فى انتظاره خارج مكتبه، ثم قرر أن يدخلوا عليه فردا فردا لا جماعة، على أن يتحدث كل منهم فيما يريده فى عدة دقائق ثم ينصرف!
كان الأستاذ فريد يتحدث بإخلاص شديد، وبلوعة مرة، وكنت ألاحظ كم هو مهموم بمستقبل الدعوة الإسلامية، وكيف أن قيادة الجماعة فى تلك اللحظة لا تفهم جوهر المشروع الإسلامى الذى أرساه الإمام حسن البنا حسب تعبيره.
كان المتحدثان يتحدثان بأدب وعفة لسان، واسترسلا فى الحديث حتى يبدو أنهما قد نسيا الشاب الذى يجلس صامتا فى الشرفة الهادئة.
فى نهاية الحوار انتبه الأستاذ فريد إلى وجهى الممتقع بسبب ما سمعته من حكايات يشيب لهولها الولدان عن قيادات ورموز يظنها البعض من نسل الصحابة، وهم أقرب إلى خلق أبى جهل، فما كان منه إلا أن قال لى: لا تقلق... الله سبحانه وتعالى قال «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ»، فابتسمت.
حين توفيت زوجته وأم أولاده رحمها الله وجَمَعَهُ بها فى عليين، كلفنى وشرفنى بمراجعة مسودة قصيدة طويلة يرثى فيها رفيقة دربه، وكان فيها من الألم على الفراق ما لو وزع على أهل بلدة لكفاهم، وكان فيها من الرضا بالقدر والإيمان بالله ما لو وزع على أهل الأرض لأغناهم.
رحم الله أستاذ الأجيال، الرجل العظيم الذى لم يخلط بين الوسائل والغايات، ولم يتحيز إلا للحق، ولم يحب أو يكره إلا لوجه الله... فريد عبدالخالق.