«الحق فى الصحة».. شعار فى بلدى فارغ المعنى، عديم القيمة، يجب أن نكف عن المناداة به بل، ويجب أن نطالب بأن تخلو منه مواد الدستور ما دمنا غير قادرين على تحقيقه، فلا جدوى من المطالبة به.
شهد هذا الأسبوع أحداثا مروعة ألقت بظلها القاتم على خريطة وادى النيل بأكملها، بدأت من مياه البحر المتوسط شمالا حتى اشتعال النيران جنوبا فى صعيد مصر، أما ما بينهما فقد كانت أزمة رفع أسعار الأدوية التى ستمس بلا جدال كل أسرة مصرية.
الشعور بالعجز له مرارة العلقم فى فم مريض لا يملك ثمن دوائه وطبيب وقر بقلبه إحساس المسئولية تجاه مريضه، وبعقله علم يعالجه به ويرجو له شفاء، بينما يعلم أن الأمر تماما قد خرج من يده.
أين الحقيقة فى تلك المحنة التى يعيشها الآن المرضى والأطباء، بل أيضا والأصحاء الذين جميعهم فى مرمى نيران المرض؟.
داهمتنا الأخبار وبدأ النقاش بيننا مجموعة من أطباء القلب فى معهد القلب القومى: من المسئول عن تلك الأزمة: هل هو قرار الوزير بزيادة الأسعار رغم علمنا أن الزيادة بحد أقصى عشرون بالمائة لأدوية سعرها أقل من ثلاثين جنيها. هل كان قرار عرفه صناعة الدواء؟ أم أن ما حدث كان نتيجة لمخططات شركات الدواء العملاقة والمحلية منها؟ هل للصيدليات دور لمضاعفة الأرباح؟ هل سيكون للدولة دور فى الدعم؟
زادت حيرتنا بعد أن انتقلت الأزمة إلى الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى وفيها البقاء للأعلى صوتا وما يملكه من مفردات الإثارة ووسائل التشويش الحديثة.
فى محاولة هادئة منا للفهم بدأنا بقرار الوزير حجرا للزاوية وقررنا أن نحاول معتمدين على أنفسنا أن نستكشف حقيقة الأمر. بدأنا بالسؤال عن بعض الأدوية المهمة لمريض الشرايين مثل الأسبرين «ريفو» زهيد الثمن الذى يستخدم مدى الحياة للوقاية، و«البلافكس» الذى يستخدم لذات الغرض خاصة عند تركيب الدعامات وبعد الجراحات لفترات محدودة ويبلغ ثمن العبوة الواحدة مائتان وخمسة من الجنيهات.
جاءت محصلة تجربتنا واحدة: رد الصيدلى باختصار كأنما يحمى نفسه من سؤال آخر: نعم الأدوية كلها زادت، وده قرار حكومى لا دخل لنا».
الريفو زادت العلبة ٤٠ جنيها، «البلافكس» ناقص أو زاد ولسه مش عارفين.
كان من الضرورى أن نعرف، فشراء الأدوية يستهلك قاسما أعظم من ميزانية المعهد وأننا دون شك سنعانى نتيجة ازدياد الأسعار.
لم يصل أحد منا لحل فيما يحدث لدواء «وقاية الغلابة» الذى فيما يبدو قرر الانتحار بإشعال النار فى نفسه احتجاجا على استخدام أقراصه بديلا للفكة فى عصر انتهى ولن يعود.. أما الآخر فقد تلقينا مكالمة من الأستاذة غادة ميشيل رئيسة قطاع العلاقات الخارجية للشركة العالمية المنتجة له فى مصر تؤكد أن سعر الدواء لم يتحرك وليست هناك أى نية لزيادته وأنه موجود، وتطالبنا بتحرى الدقة فيما تصل إلينا من معلومات يثيرها الإعلام.
دليلى احتار.. ومررنى هذا بلا شك لسان حال المرضى وكل الأطباء المهمومين بهم. قد يقبل الإنسان زيادة فى سعر الدواء إذا ما كان يقابلها دعم من الدولة بأى صورة ولكن المريض مطالب الآن مكرها بقبول زيادة يعلم جيدا أنها دون احتماله. ليس علينا أن نذكر «الحق فى الصحة» قبل أن يبدأ بالفعل نظام التأمين الصحى الشامل، وحتى يبدأ يجب أن يكون الوضوح والحزم هو سلوك أصحاب الشأن الصحى فى بلدنا.. فما يحدث هو الريح التى تسبق العاصفة بعد أن تبدد الهدوء.