تخسر إسرائيل يومًا وراء الآخر على صعيد الدبلوماسية الدولية منذ بدء عدوانها الوحشى على قطاع غزة فى 7 أكتوبر الماضى، بعد أن شاهد العالم على الهواء مباشرة عمليات الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، والتمادى فى قتل النساء والأطفال من دون الالتفات إلى أصوات التحذير، ومظاهرات الاحتجاج التى خرجت فى العديد من المدن خصوصًا فى أوروبا والولايات المتحدة.
لم تعبأ تل أبيب بالضغوط الدبلوماسية الدولية، التى طالبتها بوقف العدوان على الفلسطينيين، وأمعنت فى قصف البيوت على سكانها، وتدمير المستشفيات، وإلقاء جثث الشهداء على قارعة الطرق من دون أى وازع من ضمير، محتمية بالفيتو الأمريكى الذى تتحصن به فى مجلس الأمن الدولى، ومتسلحة بمساعدات عسكرية أمريكية غير مسبوقة تتضمن قنابل تحدث دمارًا هائلًا فى المبانى والمرافق الفلسطينية.
خرجت التظاهرات فى غالبية الجامعات الأمريكية تندد بالعدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين، وبالمثل فى العديد من الجامعات الأوروبية التى تحرك طلابها بدوافع إنسانية، وإدراكًا لحجم الخطر الذى تمثله إسرائيل على استقرار المجتمع الدولى، غير أن تل أبيب تجاهلت كل تلك الاحتجاجات ومضت قدمًا فى العدوان، والتحضير لاجتياح برى واسع النطاق لمدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وقبل أيام أمر قضاة محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة إسرائيل، بوقف هجومها العسكرى على مدينة رفح بجنوب قطاع غزة فى حكم طارئ يمثل علامة فارقة، بحسب العديد من وسائل الإعلام الغربية، وجاء فى إطار القضية المرفوعة من جنوب إفريقيا التى تتهم تل أبيب بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطينى، وهى القضية التى أعلنت مصر، فى بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، (12 مايو الجارى)، اعتزامها التدخل رسميًا لدعم جنوب إفريقيا فيها.
لكن السؤال: هل تنفذ إسرائيل قرار محكمة العدل الدولية وتوقف فورا هجومها العسكرى على رفح؟ الإجابة بنعم تحمل قدرًا هائلًا من الشكوك فى ضوء السلوك الإسرائيلى على مدى 75 عامًا من عمر الاحتلال الصهيونى لفلسطين.
ففور صدور قرار محكمة العدل الدولية الذى أمر إسرائيل بفتح معبر رفح والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، والسماح بوصول المحققين إلى القطاع، وتقديم تقرير عن تصرفاتها فى غضون شهر واحد، قامت قوات الاحتلال فى اليوم التالى بقصف رفح، وسارع جميع وزراء اليمين الإسرائيلى المتطرف، بمن فيهم وزراء حزب «الليكود»، بطلب إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بعدم الانصياع لقرار المحكمة، والاستمرار فى العدوان على رفح وبقية مناطق قطاع غزة.
لا شك أن الحكومة الإسرائيلية أمام مأزق دولى كبير بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية، لكن من قال إن تل أبيب ستترك وحدها تواجه مصيرًا صعبًا؟!
فحسب تسريبات للإعلام الإسرائيلى، فإن نتنياهو سارع بإجراء اتصالاته مع الإدارة الأمريكية كى تعلن أنها ستستخدم حق النقض (الفيتو)، فى مجلس الأمن الدولى فى حال التوجه إليه لاتخاذ قرار يجبر إسرائيل على تنفيذ قرار محكمة لاهاى، على اعتبارواشنطن وتل أبيب «فى خندق واحد معا».
يواجه رئيس الحكومة الإسرائيلية وضعًا عصيبًا، فى الوقت الراهن، خاصة أن قرار محكمة العدل جاء بعد مطالبة المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه ويوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، غير أن ذلك كله لم يردع أركان حكومته، أمثال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وغيره من وزراء اليمين المتطرف عن رفض تنفيذ حكم محكمة العدل، معتبرين وقف العدوان بمثابة مطالبة إسرائيل بأن «تقرر الاختفاء من الوجود».
إذن لا يتوقع العديد من المحللين السياسيين، أن تنفذ إسرائيل قرار محكمة العدل الدولية بحسب سوابق عديدة تجاهلت فيها الامتثال للقانون الدولى، غير أن المكسب من مثل هذه القرارات الدولية هو سحب المزيد من البساط من تحت أقدام الإسرائيليين، ولعل اعتراف إيرلندا وإسبانيا والنرويج، الأربعاء الماضى، بالدولة الفلسطينية المستقلة، خطوة مهمة قد تحفز المزيد من الدول الأوروبية على اتخاذها.