عقب نشر مقالى فى هذا المكان صباح الاثنين الماضى بعنوان «خطوة جيدة فى طريق طويل» تلقيت رسالة إلكترونية من الدكتورة هبة الليثى أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنشرها كما هى ــ رغم انتقادها الشديد لى ــ خدمة للصالح العام ولإثراء النقاش بشأن هذا الموضوع شديد الاهمية. وجاء نص الرسالة كالتالى:
الأستاذ.......
تحية طيبة وبعد وكل عام وأنتم بخير
لقد استنفذت وقتا طويلا من عمرى لقياس الفقر والتعرف على كيف يعيش الفقراء وكيف يمكن استهدافهم بتقديم برامج المساعدة لهم. ولكنى صدمت لما كتبته فى مقالكم عن برامج المساعدات. أحد الأمثلة الصينية تقول لا تعطينى سمكة ولكن علمنى كيف اصطاد.
ولتحسين مستوى معيشة المواطنين لابد من القيام بحزمة متكاملة من البرامج، أحدها وفى أضيق الحدود هى المساعدات النقدية والعينية.
أولا: إن المساعدات النقدية أو العينية ليست سوى مسكنات، وليست علاجا لمشاكلنا الاقتصادية، وبالتالى يجب أن تكون فى أضيق الحدود. عندما يتم التوسع فى الدعم الغذائى، الذى يستفيد منه 90% من السكان، فهذا هدر لموارد الدولة، فنحو 77% من أغنى 20% من السكان يحصلون على دعم غذائى، والأفضل توجيهه إلى الطبقات الفقيرة أو قريبى الفقر، والافضل تقديم حزم أخرى تساعد من يستطيع العمل للحصول على عمل دائم يتوافق مع مؤهلاته.
ثانيا: إن بناء رأس المال البشرى هو ما يحقق التنمية المستدامة، وبالتالى لابد من النهوض بالتعليم وخلق المهارات وتقديم الخدمات الصحية الوقائية قبل العلاجية، وتحسين البنية التحتية من مياه نقية وصرف صحى للقرى، وكذلك تحسين الطرق التى تربط القرى بالمركز وأماكن الانتاج.
لن يحدث تقدم اقتصادى بزيادة الاستثمارات الأجنبية المحلية أو بمحاربة الفساد فقط، ولكن بتحسين الخدمات التعليمية والصحية وخلق فرص عمل منتجة خاصة فى مجال الزراعة والصناعة، فهى التى تؤدى لرفع مستوى معيشة المواطن.
ثالثا: لتحسين مستوى معيشة المواطنين لابد أن يكون هناك توزيع عادل لثمار التنمية.
رابعا: لابد من المساواة فى فرص الحصول على التعليم الجيد والخدمات الصحية المقبولة وفرص التشغيل بصرف النظر عن الخلفية العائلية أو النوع أو مكان الإقامة.
مثال آخر على ضرورة تكامل برامج المساعدات مع غيرها وهو ما تقوم به الدولة من تطوير العشوائيات، فهذه الجهود وإن كانت محمودة إلا أنها لابد أن تستكمل بتحسين معيشة المواطنين فى القرى وخاصة بالصعيد، والا فإنه فى الوقت الذى تطور الدولة إحدى العشوائيات، سيولد مئات غيرها، طالما ظل وضع القرى على ما هو عليه.
لذلك انزعجت بشدة لترويجك بأن هذه المساعدات ستساعد على تحسين مستوى معيشة المواطنين أو حتى خطوة فى الطريق الصحيح. هذه مسكنات قصيرة الأجل وليست علاجا لأمراضنا، وهى وإن كانت ضرورية فى الوقت الحالى فلابد أن تستكمل ليس عن طريق الاستثمار الاجنبى والمحلى ومحاربة الفساد فقط، ولكنك لم تشر من قريب أو بعيد إلى بناء رأس المال البشرى والاستثمار فى الزراعة والصناعة وتحسين البنية التحتية فى القرى وخاصة فى الصعيد.
انتهت رسالة الدكتورة هبة، التى أتفق مع معظم ما جاء فيها من افكار. خلافى الوحيد معها أنها من الواضح أنها لم تقرأ عنوان مقالى وهو «خطوة جيدة فى طريق طويل». وفى ختام المقال قلت إن هذا الطريق الطويل يتضمن نقاطا كثيرة مثل تحصيل الرسوم والضرائب من كبار القادرين والاستمرار فى سياسة استعادة أراضى وأملاك الدولة ومواجهة الفساد، وعدالة الفرص أمام الجميع وسيادة القانون، والتأكد من وجود سياسات اقتصادية تشجع الاستثمار الجاد والمفيد، خصوصا المحلى منه. وأظن ان هذه الشروط اذا تم تطبيقها فهى تعنى ايضا تشجيع الصناعة وتنمية رأس المال البشرى، ولا تعنى بأى حال اننى متحمس للدعم النقدى، بل أشدت به فى هذه الحالة فقط لمواجهة الاوضاع الصعبة للمواطنين، خصوصا ان ما تتمناه الدكتورة هبة لن يتحقق بين عشية وضحاها.