كنت وما زلت أعتقد دائما أن الخير لا يجب الإعلان عنه وإن وجبت الدعوة إليه. نتابع بلاشك جميعا تلك الإعلانات التى تنهمر كالسيل فى شهر رمضان تدعو لعمل الخير والتبرع لمؤسسات وسبل مختلفة. منها بالفعل ما يخاطب عقلك، لكن منها أيضا ما يستنزف مشاعرك ويستفز صفاء نفسك. منها ما يدعو بالفعل للخير لكن منها أيضا ما عرف فى السنوات الأخيرة ببيزنس الخير والأمثلة على ذلك كثيرة وباتت معروفة.
حتى الدعوة للخير أصبح لها ثمن باهظ، فهى فى الواقع تحتاج إلى صيغة إعلانية مدفوعة الأجر سواء كان ذلك فى الصحف أو التليفزيون تستقطع دون شك من ميزانية الخير. لذا أرى أننى اليوم إذا أردت أن أدعوكم لعمل خير خالص النية، صادق القصد، فمن الطبيعى أن يكون فى صورة إعلان غير مدفوع الأجر ترحب به جريدة «الشروق».
يستقبل معهد القلب يوميا ألف مريض فى المتوسط: بين مريض جديد أو يتردد للكشف عليه ومتابعة حالته أو لاستلام دواء شهرى أو لإجراء قسطرة تشخيصية أو علاجية أو إجراء أى من الفحوص الطبية لتشخيص حالته ومنها رسم القلب أو الأشعة أو المسح الذرى أو الأشعة المقطعية.
ألف مريض يوميا من كل أنحاء خريطة الوطن بحرى وقبلى ودلتا وصعيد. لأنه المؤسسة الطبية الوحيدة التى تضم كل ما يتعلق بتشخيص وعلاج ومتابعة مريض القلب. فهل لنا أن نتصور أى جهد يبذل فى هذا المكان وأى ميزانية يحتاج؟
معهد القلب القومى من أكثر المؤسسات التى انعكس عليها بالسلب تلك الأحداث الجسام التى يعيشها الوطن. تكرار الوزارات والوزراء ولكل منهم استراتيجية مختلفة ولكل منهم فكر مخالف جعلت مهمة مدير معهد القلب فى حكم المستحيلة. فالمعهد تابع مباشرة لوزارة الصحة. علاج على نفقة الدولة أم تأمين صحى؟ علاج بأجر أو بدون أجر؟ قضايا بالغة الأهمية يجب الحسم فى حلها.. فلمن يجب توجيه الحديث ومع من يبدأ الحوار؟
رغم تراجع ميزانية المعهد فى مواجهة أعداد المرضى المتزايدة واحتياجات دولاب العمل الذى لم يتوقف ليوم واحد، فاستمرت المعامل والقسطرة والعيادات والجراحة بكامل طاقتها اعتمادا على الأطباء والفنيين والممرضات رغم انحسار دعم الدولة.
لمدير معهد القلب الجراح الدكتور محمد عزيز ورفاقه خطة طموح لتطوير معهد القلب بعد أن حصل المعهد على مساحة من الأرض تسمح ببناء مبنى جديد يتسع لنشاطات مستقبلية تخدم مرضى القلب وبصورة أفضل. فهل هناك خير أفضل من هذا أدعوكم للمساهمة فيه؟
يعانى قسم جراحة قلب الأطفال من غياب عدد كاف من الحضانات التى لا يتجاوز عددها الثمانى، بينما حجم العمل يستدعى على الأقل مضاعفة عددها. الحضانة هى صلة وليد عمره لا يتجاوز ربما ساعات بالحياة إذا ما غادر رحم أمه بعيب خلقى مركب فى القلب.. فمن يتحمل تلك الأوزار الثقيلة؟
دعم معهد القلب، قضية قومية يجب أن تأتى على القائمة القصيرة لأولويات العمل العام. أخاطب اليوم من كانت عقولهم بوابات لقلوبهم.. وآمل وكل أطباء معهد القلب العاملين به ومرضاه معى فى ان تصلكم رسالتنا واضحة صادقة مؤثرة. رمضان كريم وكل عام وأنتم فى خير.