نشر موقع قنطرة مقالا للكاتب «Aditi Roy Ghatak» يتناول فيه صعود الشعبوية فى أنحاء العالم المختلفة، حيث نجح مؤخرا ناريندا مودى فى الوصول للسلطة فى الهند مؤخرا وتداعيات ذلك على مستقبل الهند.
بعد فترة وجيزة من الفوز بالانتخابات العامة فى الهند، وعد ناريندرا مودى أنه سيكون رئيس وزراء لجميع الهنود، وليس فقط لأولئك الذين صوتوا له. وقال إنه ما من داعٍ لتخاف الأقليات. وأشادت وسائل الإعلام الدولية بهذا الخطاب الجديد باعتباره بادرة طيبة تدل على الاعتدال. غير أن الأقليات فى الهند، بما فيها ما يقارب من 200 مليون مسلم إلى جانب جماعة «الداليت» (أو المنبوذون، وهى أدنى طبقة اجتماعية فى الهند). و«الأديفازى» (سكان الهند الأصليون)، والمسيحيون وغيرهم، تأمل فى ألا تتحقق أسوأ مخاوفها. لقد اعتادوا على كلام الهندوس المتطرف لعقود، إضافة إلى بيانات بعض القادة المنتخبين التى تستحثّ الخوف.
فالرسالة غير المعلنة هى أن الأقليات ليس لديها ما تخشاه طالما تقبل بالهيمنة الهندوسية، بيد أن هذه القاعدة لا تنطبق باستمرار، كما تؤكد جرائم الكراهية الأخيرة وطريقة تعاملهم معها. إذ يتذكر الهنود أعمال الشغب فى غوجارات فى عام 2002، حين فشل مودى، رئيس وزراء الولاية الغربية الهندية (غوجارات) آنذاك، فى وقف المذبحة فى حق المسلمين.
«أعداء الشعب»
وفقا للدستور، الهند هى دولة علمانية وتقبل بجميع الأديان ــ وهو موقف يتزايد التشكيك فيه. والأسوأ من ذلك، أن أولئك الذين يختلفون فى الرأى يصنَّفون بوصفهم «أعداء الشعب». ومن بين آخرين، فإن خمسة أكاديميين وناشطين فى مجال حقوق الإنسان، مُعتقلون منذ أغسطس من العام الماضى (2018)، لا يزالون فى السجن لمدافعتهم عن حقوق المضطهدين. ويتعرض الصحفيون المستقلون، والقادة المدنيون، والمثقفون للمضايقة، والاعتقال بل والقتل. وربما كانت الصحفية غورى لانكيش أبرز الضحايا.
وتنتشر بشكل كبير فيديوهات عمليات قتل المسلمين، كما تُنفّذ جماعات القصاص الأهلية هجمات بسبب أكل لحم البقر أو الزواج المختلط ما بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. بل ويُكافأ إرهابيون مزعومون بمناصب سياسية.
إذ إن براغيا سنغ ثاكور، المتهمة بالتآمر فى قضية انفجار ماليغاون فى عام 2006، هى عضوة فى البرلمان. بينما لم يرَ يوغى أديتياناث، رئيس وزراء ولاية أوتار براديش (الولاية الأكثر ازدحاما بالسكان فى الهند)، أى داعٍ للاعتذار عن خطاب الكراهية المزعوم الذى ألقاه.
فمن ناحية، يُعاد إحياء ذكرى قاتل المهاتما غاندى باعتباره بطلا، ومن ناحية أخرى، باتت الخيالات، التى تكاد تستند على الأساطير القديمة، تتفوق على الرؤى العلمية، بينما يتزايد بكثرة التعصب الأعمى، والرهاب من الأجانب، وكراهية النساء.
وعود فارغة
يتماشى انتصار ناريندرا مودى مع الاتجاه العالمى المتمثل فى الشعبوية اليمينية التى تنتصر. ينجحون بواسطة العمل المثير للخلاف بينما يصرون على الوحدة المنظمة. فتبدو سياساته جيدة من الناحية النظرية، غير أنها فشلت فى الاختبار الشعبى حتى الآن.
أما العار الكبير للسنوات الخمس الأولى من حكومة مودى فيتمثل فى انهيار الاقتصاد. فمعدلات النمو منخفضة، والتضخم فى تصاعد، و«معجزة الوظائف» الموعودة لم تتحقق بتاتًا. إضافة إلى تزايد البطالة والتشغيل المنقوص [أيْ: عمل الشخص بمهنة أقل من مؤهلاته أو بعدد ساعات قليلة وغير منتظمة]، ولم يُفعل سوى القليل لتحفيز التنمية الريفية.
والأسوأ من ذلك، كان الإصلاح الضريبى الذى قام به مودى بيروقراطيا بشكل مفرط، مما أدى إلى شل الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما انتهت عملية «سحب النقود» (أيْ حظر فئات معينة من العملات) التى قام بها بالفشل الذريع، والتى هدفت إلى قصم ظهر الإرهاب والفساد عبر التخلص من العملة السوداء من النظام: فقد حلّت الأوراق النقدية الجديدة محل القديمة دون إبطاء، فى حين أن جماهير الأعمال الصغيرة وغير الرسمية والمزارعون هم من عانوا الخسارة.
وفى الوقت ذاته، تشير صفقة طائرات رافال الفرنسية المثيرة للجدل إلى أن رأسمالية المحاباة والمحسوبية فى ازدهار كامل فى البلاد. فهل ستتغير الأمور الأخرى فى ظل النسخة الثانية من رئيس الوزراء مودى؟ هذا هو المأمول، نظرا لأن جماهير الهند العاطلة عن العمل ــ التى تعرضت للخيانة ورغم ذلك صوتت له من أجل الوصول إلى السلطة ــ لن تكون صبورة خلال الأعوام الخمسة التالية.
لا يسع الشعب إلا أن يأمل فى أن تشمل الحوكمة اعتبارا من عام 2019:
ــ الحد من الأخبار الاستفزازية والزائفة على وسائل التواصل الاجتماعى.
ــ وقف الحد من فاعلية مؤسسات الحكم الديمقراطى.
ــ إعطاء الأقليات شعورا بالأمن.
ــ إعطاء الأولوية لقضايا الاقتصاد والبيئة والنمو، وعدم إعطاء الأسبقية للظلامية.
تلاعب مودى، ببلاغته التى لا مثيل لها، بالخطاب السياسى ليبتعد عن البؤس الاقتصادى وركّز الانتباه على الأعداء المفترضين. نجح باستعباد أجزاء واسعة من البلاد حين انتصر الغلو فى الوطنية. كما أُطيح بالمعارضة الضعيفة والممزقة التى تدير حملتها على مبدأ الاشتمالية والعدالة للجميع، ما عدا فى بعض الولايات الجنوبية وولاية البنجاب الشمالية. حصل التحالف الوطنى الديمقراطى على 45% من الأصوات المُقترِعة. فاز مودى، ولكن هل فعلت الهند ذلك؟
النص الأصلى:
https://bit.ly/2LGAno9