بعد أن انتهيت من كتابة هذا المقال تمنيت لو أننى لم أكتبه، إذ لم يبق ما يُقال إلا ما لا يُقال، وما لا يُقال يُدمى القلب ويصدم العقل.
ما يجرى فى غزة فلسطين ولغزة فلسطين من دمار وقتل معروف للجميع وتم قول الكثير فيه وعنه. وما يجرى لفلسطين والفلسطينيين على أيدى السلطة الفلسطينية معروف ومرفوض. وما تفعله الأنظمة العربية بالفلسطينيين وللقضية الفلسطينية بعضه معروف والكثير منه غير معروف، ولكنه فى إجماله مرفوض ومدان وملعون. وكل هذا وذاك قيل فيه الكثير حينا والقليل أحيانا. ولكن ما لم يُقل حتى الآن هو فى نفس الأهمية إن لم يفوقها نظرا لارتباطه بالمستقبل وبمخططات خَفِيَّة ومعلنة قد تحمل فى ثناياها من السوء أكثر مما نتوقع أو نحتمل.
إن موضوع الصراع العربى ــ الإسرائيلى قد حُسِمَ تقريباً باستسلام عربى صامت تجاوز ضجيج اتفاقات السلام مثل اتفاقات كامب ديفيد ووادى عربة وأدى إلى ترتيبات خفية صامتة تعكس واقعية استسلامية وتطبيعية أدت فى نهاية الأمر إلى تحويل حالة الصراع بين العديد من الدول العربية وإسرائيل إلى حالة بائسة من الخنوع والاستسلام للإرادة الإسرائيلية. وأخذت الأنظمة العربية فى زج دولها وشعوبها ودَفْعِها إلى القبول بذلك النمط من العلاقة مع إسرائيل، وسَخَّرَت من أجل ذلك وسائل إعلامها وطوﱠعَتْ القوانين وابتدأت فى استقبال الوفود الإسرائيلية باعتبار ذلك مؤشرا على «واقعية» تلك الأنظمة واستجابتها «الحضارية» للأمر الواقع، ناهيك عن مطالب وضغوط أمريكا والدول الغربية. وقد فرضت هذه الحالة نفسها بالتالى على طبيعة العلاقة بين كل نظام عربى والفلسطينيين والقضية الفلسطينية. ولكن استجابة الشعوب العربية لهذا المسار كانت بشكل عام ضعيفة خصوصا الشعب المصرى. أما الاستجابة الإيجابية للأقلية من العرب فقد كانت من باب المصلحة الشخصية ومحاباة السلطة.