عثرت بعثة المعهد الفرنسى للآثار الشرقية على مومياء امرأة فى منطقة دير المدينة بالبر الغربى لمدينة الأقصر. وتعد واحدة من النماذج القليلة والنادرة فى هذا الشأن. ويعتبر هذ الاكتشاف مهما جدا، وسوف يضيف الكثير فى دراستنا للمومياوات المصرية القديمة، ويطلعنا نحن علماء المصريات على العديد من الدلالات الدينية التى وجدت على جسم هذه المومياء المميزة.
ومنذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، قامت هذه المرأة المصرية القديمة بوشم جسدها بالعشرات من الرموز بما فى ذلك أزهار اللوتس والأبقار والعيون الإلهية والتى قد تكون مرتبطة بمركزها الدينى أو قد تدل على ممارسة هذه المرأة للطقوس الدينية التى قد تخص وظيفتها فى الحياة الدينية فى مصر القديمة فى ذلك العصر. والجميل فى الأمر أن هذه الوشوم محفوظة بتفاصيل مذهلة، ومنها ما هو مرسوم على جذعها المحنط. وتمثل هذه الوشوم الأمثلة الوحيدة الباقية والمعروفة عن الوشم المصرى القديم على أجساد المومياوات المصرية القديمة وتظهر لنا صورا مميزة للغاية، بدلا من التصاميم المجردة التى كان المعتاد رسمها على المومياوات المصرية القديمة فى الغالب.
وكانت بداية هذا الكشف المثير لهذه المومياء عندما تم فحص البقايا البشرية فى دير المدينة التى كشفتها هذه البعثة، وعندها وجد فريق عمل البعثة، لأول مرة، علامات غير عادية على رقبة مومياء هذه السيدة. وكان الاعتقاد فى البداية أن هذه العلامات الموجودة تمثل بعض التمائم على جسم مومياء هذه السيدة. وكان وضع التمائم حول رقبة المومياء قبل إتمام مراسم الدفن ممارسة شائعة فى مصر القديمة فى ذلك الوقت. لكن مع المزيد من الدراسة لهذه المومياء، تم اكتشاف أن هذه الرسوم التوضيحية القديمة ــ وغيرها على الجسم ــ كانت وشوما مرسومة على جسم المومياء. وتم حصر العشرات من الوشوم، وكان لعدد منها أهمية دينية كبيرة. وعلى سبيل المثال، فإن وشوم الأبقار كانت ترتبط عادة بالإلهة حتحور، مثل الأبقار ذات القلائد الخاصة، ووجدت وشوم أخرى ــ مثل الثعابين الموضوعة على الذراعين العلويين ــ وكانت ترتبط أيضا بالإلهات فى مصر القديمة. وتم تزيين رقبة المومياء والظهر والكتفين بصور عيون الأودجات – وهى عيون إلهية مرتبطة بالحماية، مع وضع وشم على الحلق. ومن أية زاوية تنظر إلى هذه المرأة، ترى زوجا من العيون الإلهية ينظر إليك.
وكانت هذه العاملة فى منطقة دير المدينة بالبر الغربى لمدينة الأقصر قد أنهت أعمال الدراسات التى تجريها على المومياء المعروفة باسم «المرأة ذات الوشم»، والتى عثر عليها أثناء أعمال الحفائر الخاصة بتلك البعثة فى قرية العمال بدير المدينة بالبر الغربى بمدينة الأقصر منذ عدة أعوام وتحديدا فى عام 2014.
***
والشىء المثير فى أمر مومياء هذه السيدة أنها تتفرد بأن هذه المومياء تحتوى على نحو ثلاثين وشما، أو «تاتو» كما هو معروف فى اللغة الإنجليزية، موجود على أجزاء متفرقة من جسد هذه السيدة المهمة فى مجتمع العمال والفنانين بقرية دير المدينة بالبر الغربى لمدينة الأقصر، ومنها، على سبيل المثال، على الرقبة، والظهر، والكتف والذراعين. وقد كشفت الدراسات الأنثروبولوجية التى قامت البعثة بإجرائها على مومياء هذه السيدة أنها كانت تخص امرأة يرجح أنها عاشت خلال عصر الرعامسة وتحديدا فى عصر الأسرة التاسعة عشرة فى الفترة ما بين عامى 1300 و1070 قبل الميلاد، وكان يبلغ عمرها عند الوفاة ما بين 25 و34 عاما.
ومن اللافت للنظر أنه لم يتم التوصل إلى الآن إلى اسم هذه المرأة المهمة، أو حتى إلى وظيفتها على وجه التحديد. غير أنه يرجح أنها كانت ذات شأن كبير بسبب أن هناك تنوعا كبيرا ومدهشا فى الوشوم التى رسمت على جسدها، فضلا عن اختلاف أشكال هذه الوشوم ما بين صور لزهور اللوتس الشهيرة، وصور لأبقار، وصور لقردة البابون، وصور عين الأودجات ذات القيمة الدينية الكبيرة. وأغلب الظن أن تنوع هذه الوشوم ووجودها بكثرة على جسد هذه المرأة كان بسبب الرغبة فى إظهار الدور الدينى الرفيع الذى ربما كانت تتولاه هذه المرأة أثناء حياتها الأولى. ومن الجدير بالذكر أن الوشوم التى تم العثور عليها على مومياوات أخرى كانت عبارة عن نقاط بسيطة أو خطوط صغيرة للغاية فقط، ولكن هذه مومياء هذه المرأة تتميز بوجود رسومات لكائنات حقيقية مصورة بشكل لم يسبق له مثيل فى التصوير لمثل هذا النوع من الوشوم فى مصر القديمة.
وقد استخدم فريق عمل البعثة أحدث التقنيات من الأشعة تحت الحمراء، للكشف عن تفاصيل هذه الوشوم، ويتم حفظ مومياء هذه المرأة الآن فى المقبرة رقم TT 291 بالبر الغربى لمدينة الأقصر؛ وذلك حتى يتم الحفاظ على هذه المومياء فى نفس الظروف البيئية المحيطة بها منذ دفنها قبل 3300 عام.
وتم اكتشاف هذه الوشوم المعقدة على المومياء فى إبريل 2016، وشعر المكتشفون بالصدمة عندما رأوا هذه البقع السوداء أو «الوشوم» موجودة على جسد هذه السيدة منذ 3300 عام إلى الآن، حتى أنهم بكوا من روعة المفاجأة وعظمة الاكتشاف الذى أدخل على قلبهم السرور والفرحة.
ونجح فريق عمل البعثة بفضل البرمجيات الحديثة للتصوير فى فحص جلد المومياء حتى يشاهدوا الوشوم اللافتة للنظر، ومع مسح جسد المومياء بكاميرا أشعة تحت الحمراء، وجد الفريق وشوما لم تكن حتى مرئية بالعين المجردة، وكانت بعض أجزاء الجسد سوداء ومغطاة بمادة التحنيط، وكان من المستحيل رؤية الجلد، لذلك تم استخدام الأشعة تحت الحمراء كى يتمكن فريق عمل البعثة من الرؤية من خلال طبقات الجلد.
***
ويعتبر هذا الاكتشاف جديدا من نوعه؛ لأنه ينفى ما كان يعتقد فيه العديد من علماء المصريات السابقين من أن الكاهنات فى مصر القديمة كن يرسمن على أجسامهن صورا حيوانية، وليس صورا لوشوم كاملة كما فى حالة مومياء هذه السيدة المتفردة. ومن الجدير بالذكر أنه بداخل بعض مقابر المصريين القدماء الخاصة بنبلاء القوم مناظر مصورة على جدران هذه المقابر ومزينة بمناظر وصور لنساء تحمل أجسادهن علامات مماثلة لتلك التى على مومياء هذه السيدة الموشومة، وهذا يثبت أن المصريين القدماء مارسوا الرسم لمثل هذا النوع من هذه الوشوم على مومياوات الفراعنة كما مارسوا الرسم على جدران مقابرهم الجميلة التى تشع بهاء وجمالا يعكس ثقافة المصريين القدماء العظيمة والمحبة للجمال، ويوضح عشق المصريين القدماء للحياة مثل عشقهم للموت الذى كان بوابتهم للحياة الخالدة والأبدية فى حقول «إيارو»، أو جنات النعيم، التى لا تبلى أو تفنى بمرور الأزمان وتعاقب السنين والأيام.