حكاية ديف شابيل - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكاية ديف شابيل

نشر فى : الخميس 27 أكتوبر 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الخميس 27 أكتوبر 2022 - 8:30 م

ديف شابيل Dave Chappelle رجل أمريكى أسود عمره 47 عاما، يعمل كوميديان (ستاند أب كوميدى) وهو نوع من الكوميديا يقوم فيها الفنان الكوميدى بالحديث وإلقاء النكت والسخرية والتعليق على الشئون العامة والخاصة أمام جمهور يتفاعل معه، وتستضيف المسارح والنوادى الكوميدية، والنوادى الليلية، والجامعات، والمقاهى الكبيرة، هذا النوع من الفن، كما يتم بثه فى بعض الحالات كعروض تلفزيونية.

احترف شابيل هذا المجال منذ أكثر من ربع قرن، وتُرجم نجاحه وشهرته فى حصوله على ست جوائز إيمى وثلاث جوائز جرامى، بالإضافة إلى جائزة مارك توين للفكاهة الأمريكية.

ولد شابيل وعاش طفولته فى واشنطن حيث دخل مدارسها الحكومية العامة، وثم التحق فى المرحلة الثانوية بمدرسة «ديوك إلينجتون للفنون»، وهى مدرسة حكومية فنية متخصصة ومرموقة، وتخرج منها عام 1991.

وخلال سنوات عمله ونجاحه، كان شابيل أحد أكثر المتبرعين والداعمين للمدرسة التى يرى أن لها فضلا كبيرا عليه وعلى نجاحه. تبرع شابيل بملايين الدولارات للمدرسة خلال السنوات الماضية، ويزورها دوريا لإلقاء محاضرات للطلاب وحضهم على الإبداع والاجتهاد، على الرغم من انتقاله منذ سنوات مع عائلته للعيش فى مزرعة هادئة بشمال شرق ولاية أوهايو.

• • •

فى عام 2016، وقع شابيل تعاقدا كبيرا تقاضى فيه 20 مليون دولار لكل عرض مع منصة نتفليكس فى صفقة بلغت قيمتها 120 مليون دولار، وكان عرضها الأخير يوم 5 أكتوبر العام الماضى.

فى العرض الأخير الذى جاء عنوانه The Closer أثار شابيل جدلا واسعا بعدما سخر وألقى نكاتا حول المثليين والمتحولين جنسيا، وخاصة النساء المتحولات جنسيا. وانقسمت الآراء حول ما قاله شابيل، واعتبره الكثيرون سخرية مقبولة عادية متوقعة، فى حين قامت عاصفة فى المقابل باعتباره معاديا للمتحولين والمتحولات جنسيا. وشنت عدة حملات على شابيل دعمها التيار الليبرالى الواسع المؤيد بشدة لمجتمع الميم LGBTQ.

اعتبر المحتجون والمحتجات أن سخرية شابيل من المتحولين والمتحولات جنسيا «يؤدى إلى عدم المساواة بين المتحولين جنسيا وغيرهم، ويشجع العنف ضدهم». قضى شابيل أوقاتا صعبة، وقال إن الكثير من الدعوات من مسارح رائدة وجامعات مرموقة وأندية شهيرة ومهرجانات عالمية قد أُلغيت بسبب هذا الجدل الأخير. 

تعرض شابيل لهجوم من رجل مسلح بسكين أثناء تقديمه عرضا فى مدينة لوس أنجلوس، ولم يصب وسيطر الأمن على الوضع. فى يوليو الماضى، تم إلغاء عرض لشابيل فى مدينة مينابوليس بولاية مينيسوتا بعد احتجاجات من أنصار حقوق المتحولين والمتحولات جنسيا خارج المسرح.

كما نظم الكثير من موظفى شركة نتفليكس احتجاجات على بث عروض شابيل على منصتهم، رغم أنه يحقق أحد أعلى نسب المشاهدة. وطالب الكثير منهم إدارة الشركة بحظر ظهور شابيل على شاشتها.

من جانبه، تمسك شابيل بعدم الاعتذار، على الرغم من أنه اعترف بأن رد الفعل السلبى الذى نجم عن تعليقاته قد ضايقه بالفعل. ورفض شابيل التراجع عن سخريته واعتبرها ضمن نطاق الحريات المعقول؛ ودافع شابيل عن نفسه وعن حقه فى السخرية، وأكد أنه لا يعادى أحدا بل إن لديه العديد من الأصدقاء المثليين جنسيا والمتحولين، وإن ذلك لم يؤثر على الإطلاق على علاقاتهم الطيبة والعادية والممتدة لسنوات وسنوات.

ورأى شابيل أن هذه الأزمة برمتها محاولة من الشركات الأمريكية لمحاولة فرض رقابة عليه، وقال «أريد أن يعرف الجميع أنه على الرغم من أن وسائل الإعلام تُظهر الأمر بأنه أنا مقابل هذا المجتمع، إلا أن هذا ليس حقيقيا. لا علاقة لى بهذا المجتمع، ولا تلوموا أعضاء المجتمع على أى من هذه الأمور. الأمر يتعلق بمصالح الشركات، ورغبتهم فى التدخل فيما يمكننى قوله، وما لا يمكننى قوله».

• • •

إلا أن أكثر ما سبب الضيق لشابيل هو قرار مدرسته الثانوية، بتجميد قرارها بتسمية أحد مسارح المدرسة على اسمه، بسبب ردود أفعال الطلاب العنيفة على ما قاله شابيل. 

وكانت المدرسة قد خططت قبل هذه الأزمة لتسمية مسرحها الكبير باسم الكوميديان شابيل، تقديرا منها لخريج من المدرسة بحجم نجاحاته وشهرته، ولدوره الداعم للمدرسة ماديا ومعنويا وفنيا. تم تأجيل ذلك، حيث قالت المدرسة إن الأمر سيستغرق بعض الوقت لمعالجة الأسئلة والمخاوف من مسئولى وطلاب المدرسة، على أمل تغير الوضع فى المستقبل القريب. وفى أبريل الماضى، قررت المدرسة فك الحظر على شابيل وتفعيل قرارها بإطلاق اسمه على مسرحها.

عرضت منصة نتفليكس حلقة خاصة لشابيل ــ على الرغم من احتجاجات الموظفين السابقة ــ استمرت لأربعين دقيقة تم تسجيلها فى مدرسة ديوك إلينجتون للفنون. وفى العرض الخاص، تفاعل شابيل مع رد الفعل العنيف الذى تعرض له وخاطب الطلاب فى المدرسة الذين لم يتفقوا مع النكات والسخرية التى أطلقها مسبقا. 

فاجأ شابيل الحاضرين يوم تكريمه وإطلاق اسمه على المسرح، بقراره رفض إطلاق اسمه على المسرح، وقرر أن يُطلق بدلا منه «مسرح الحرية الفنية والتعبير». وبرر شابيل ذلك بأنه «لا يريد أن يصرف اسمه الانتباه عن الطلاب فى المدرسة». 

• • •

تظهر هذه القضية معضلة حدود حرية التعبير وما أصبح مقبولا وما هو غير مقبول فى المجتمع الأمريكى، فى وقت تشهد فيه المجتمعات الغربية جدلا حقيقيا حول حدود المسموح به فى عالم شديد التغير.

• • • 

ولد جد شابيل الأكبر «وليام شابيل»، عبدا فى ولاية كارولينا الجنوبية عام 1887 قبل أن يُحرر ويصبح أسقفا مسيحيا، وشغل رئيس جامعة آلين، وقاد وفدا من الأمريكيين الأفارقة للقاء الرئيس السابق وودرو ويلسون للمطالبة بالمساواة بين الأمريكيين السود وبقية الأمريكيين. عندما بلغ شابيل الـ 17 من العمر، اعتنق الدين الإسلامى، وهو متزوج، وله ثلاثة أولاد هم سناء وإبراهيم وسليمان. يرفض شابيل التطرق لحياته الخاصة أو العائلية، ويقول عن ديانته إنها «دين جميل، والأفكار الواردة فى هذا الدين تنعكس فى جميع الديانات الإبراهيمية الرئيسية»، إلا أنه يرفض أن يربط سلوكه أو مواقفه بعقيدته لأنه يعترف أنه بشر يصيب ويخطئ.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات