لم ينجح أحد - غادة عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 12:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لم ينجح أحد

نشر فى : الخميس 28 مايو 2009 - 11:10 ص | آخر تحديث : الخميس 28 مايو 2009 - 11:10 ص

 خياااااانة.. ارتفعت صيحات أفراد الجماهير الغفيرة وانطلقت جموعهم تطارد الخائنة من مكان لمكان يدفعهم إلى ذلك حب الوطن، الذى يجرى فى عروقهم مجرى الدم ومستقبله، الذى يضعونه نصب أعينهم فى كل لحظة تتردد فيها أنفاسهم فى صدورهم

بينما تحاول الخائنة الفرار وتكاد تتوقف ضربات قلبها لمرأى الغضب الساطع فى عيون الجميع.. وقبل أن تنالها طعنة سيف أو ضربة خنجر أو على أقل تقدير «روسية إسكندرانى» كانت قد قررت أن تستسلم وتسلم القضية وتسمح لتلاميذ لجنة تانية ابتدائى، التى تتولى مراقبتها أن ينقلوا الامتحان، الذى وافقت على كتابته كاملا بإجاباته على سبورة الفصل، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

هى لمحة من الحياة اليومية لصديقتى مدرسة الابتدائى التى (ربما لعيب خلقى أو حاجة) لا تؤمن بالحكمة الشعبية الخالدة «ذاكر تنجح.. غش تجيب مجموع».. وقال إيه مهم قوى بالنسبة لها أن تبنى شخصية تلاميذها وتعودهم على عدم الغش والاعتماد على النفس.. ما عندهاش دم؟.. ما فيش فى قلبها رحمة؟.. طب مالهاش إخوات بنات طيب؟.. قال إيه خايفة على شخصيات العيال لا تطلع غير سوية.. ومصممة إنهم لما طول السنة يعلموهم إن «من غشنا فليس منا» وفى آخر السنة بيسيبولهم اللجنة ويغششوهم، كده يطلعوهم أشخاص منافقين وغير أسوياء ويشجعوهم على الفساد..

غريبة جدا صاحبتى دى!.. أصل كلنا عارفين إن فى أيام الامتحانات «لا صوت يعلو فوق صوت أولياء الأمور» يمكن اتقاء لشر المصريين اللى ما عدش عندهم حاجة عايشين عشانها غير نجاح أولادهم.. رغم إن النهاية واحدة.. (الجلوس على مقهى العاطلين)، لكن الآباء والأمهات اللى بيصابوا بهيستريا الامتحانات كل سنة لازم يطاعون وإلا حدث ما لا تحمد عقباه.. بتوع الابتدائية لازم يتكتبلهم الامتحان على السبورة، وفى الإعدادية «ما تحبكهاش يا أستاذ دول برضه زى أولادك».. أما الثانوية فهى اللى تحس إن أولياء أمور طلبتها ماسكينلنا ذلة مثلا.. شكاوى الطالبات والطلبة والدعاوى اللى بتنزل ترف على الغلبان اللى وقعه حظه الأسود وخلاه يحط امتحان من الامتحانات والتشنجات العصبية والانهيارات النفسية وحالات الإغماء فوق صفحات الجرائد وعلى شاشات التليفزيون.. كل ده بيجبر الوزارة كل سنة إنها تضيف درجات رأفة وتعيد توزيع درجات وتحول أساتذة أفاضل للتحقيق عشان سؤال فيه شبهة الاعتماد على ذكاء أو فهم.. ونسمع أوصافا يدمى لها القلب.. «موقعة التفاضل».. «مذبحة الفيزياء».. «معركة رياضة2 المجيدة» تدفع رئيس الحكومة كل عام لأن يخرج ليطمئن الناس على مستقبل أبنائهم ولا يهدأ الجميع إلا بعد أن يطمئنوا لحصول جميع أبنائهم على مجاميع تتعدى الـ90 والـ99 وأحيانا الـ101%، وهو أيضا نوع من أنواع الغش وإلا كان بقى عندنا مليون أحمد زويل ومليون نجيب محفوظ ولضاقت أرض الوطن بجوائز نوبل اللى بياخدها أبناءها فى كل المجالات..

كلنا يتعجب من مظاهر الفساد التى تنتشر داخل المجتمع.. الضمائر المريضة والفشل الأخلاقى والعلمى والمهنى.. نتلفت حولنا متسائلين: هى الناس ليه بقت وحشة كده؟ وننسى أننا ــ كمجتمع كامل يرفع من قيمة النجاح الزائف والغاية، التى تبرر الوسيلة والحصول بأسهل الطرق على ما لا نستحق ــ قد زرعنا البذرة والآن نجنى الثمار.. يروى ــ والعهدة على الراوى ــ أن عام 1960تم تسريب امتحان الثانوية العامة إلى إسرائيل!.. فما كان من الإذاعة الإسرائيلية إلا أن أذاعت الإجابات النموذجية لكل امتحان ليلته.. فعل عدائى كان يهدف إلى إضعاف همة الطالب المصرى ودفعه إلى عدم الاجتهاد حتى يتخرج فاشلا، مهملا وفاسدا.. اليوم لا نحتاج لإسرائيل لتفعلها.. نحن نفعلها بأنفسنا.. قد ينجح الأبناء، قد يحصل الجميع على أعلى الدرجات ويلتحقون بأهم الكليات.. لكن إن لم نغير مفهومنا عن النجاح وكيفيته وأهدافه. فسنستمر فى اتجاهنا وبخطى ثابتة لأن نكون مجتمعا كاملا شعاره «لم ينجح أحد».

التعليقات