سألتنى صديقة بانزعاج حقيقى: هل الاقتصاد المصرى بهذه الدرجة من السوء التى يؤكدها وزير المالية فى كل مناسبة؟ هل نحن على وشك الإفلاس كما يشيع البعض.. وهل الاستثمارات صفر والفقراء يمثلون الآن 70% من الشعب كما قال المجلس العسكرى.. وهل الاحتياطى الأجنبى فى طريقه للتآكل بعد أن فقد 8 مليارات دولار تم صرفها على الطعام والشراب؟ هل توقفت غالبية المصانع؟، كما نسمع من خبراء اقتصاد برامج التوك شو بالتليفزيون والفضائيات؟ سيل من الاسئلة التى تعبر عن قلق شديد من المستقبل ليس من صديقتى وحدها التى لم تكن الأمور الاقتصادية ضمن مشاغلها وقت ما، لكن من جانب طوائف واسعة من الشعب خاصة بعد ازمات السولار والبوتاجاز وارتفاع أسعار الأرز والسكر والزيت.
ورغم أنى بطبيعة عملى فى متابعة الشان الاقتصادى أعلم تماما أن كلام وزير المالية والمجلس العسكرى فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية مبالغ فيها ومن باب التهويل ربما المقصود، إلا أننى تعمدت إعادة توجيه سؤال صديقتى إلى جهة اقتصادية رفيعة المستوى لا تقل أهمية بل تزيد على وزارة المالية وهى البنك المركزى المصرى، وفى المؤتمر الصحفى، الذى عقده هشام رامز نائب المحافظ ليبرئ فيه ساحة المركزى والبنوك التابعة له من المساعدة فى تهريب 7 مليارات دولار تبعا لما نشرته بعض الصحف القومية، سألت «رامز» هل الاقتصاد المصرى ينهار وهل الاحتياطى الاجنبى فى خطر وكان الرد الذى توقعته.. قال إن الأوضاع الاقتصادية ليست بهذا السوء وإننا تعرضنا لأزمات قد تفوق ما نحن فيه الآن وتجاوزناها بنجاح وتوقع «رامز» أن يستعيد الاقتصاد انطلاقته العام المقبل فى مناخ خال من الفساد ومن سيطرة مجموعة صغيرة على كل شىء فى البلد.
«عشرة ماسكين كل حاجة فى البلد وموتوا قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة»، وقال رامز إن المليارات الثمانية التى فقدها الاحتياطى لم تكن للانفاق على الطعام والشراب فقط ولكن لتغطية استثمارات الأجانب، التى خرجت من السوق، وأكد أن الاحتياطى الحالى آمن ويكفى واردات ما يجاوز الـ6 أشهر وأن هناك موارد نقد أجنبى تدخل خزينة المركزى، صحيح انخفضت لكنها لم تتلاش. كما أن الجنيه المصرى لم يفقد سوى 1% من قيمته خلال شهور الثورة مما يعكس ثقة الشعب المصرى بعملته.
لم نسمع كلمة واحدة من وزير المالية تذكرنا بأننا وقت الأزمة المالية العالمية فقدنا نحو 16 مليار دولار لمواجهة خروج الأجانب من أذون الخزانة والبورصة وفقدنا جانبا لا بأس به من موارد الصادرات وقناة السويس بل إن حادث شرم الشيخ الإرهابى أدى إلى خروج استثمارات أجنبية تجاوز ما خرج الآن مع الفارق أننا فى حالة استثنائية، ثورة شعبية لا تحدث كل يوم ومن الطبيعى أن يكون لها بعض الآثار السلبية لفترة من الوقت، ورغم هذه الظروف فهناك شركات تؤسس أسبوعيا ربما تجاوز عددها الـ2000 شركة، وفى الأسبوع الماضى ارتفع عدد الشركات الجديدة بنحو 19% وزادت رءوس أموالها بنحو 53% تسهم الاستثمارات العربية والأجنبية فيها بنحو 25%، وذلك تبعا لهيئة الاستثمار، كما ارتفعت موارد قناة السويس 16% الشهر الماضى مقارنة بأبريل 2010 وفقا لتقرير مركز معلومات مجلس الوزراء، أما الاستثمارات الأجنبية فقد كانت تتراجع بانتظام منذ الأزمة المالية العالمية، وهناك بوادر بزيادتها الآن من خلال الاستثمارات العربية القطرية والسعودية والكويتية، وسوف تتبعها الاستثمارات الأجنبية التى تقبل على الدول التى تطبق الانظمة الديمقراطية وتحارب الفساد
هذه المؤشرات الإيجابية، التى لا يتحدث عنها وزير المالية تتسع شيئا فشيئا رغم ما نشهده من استمرار غياب الأمن واستمرار البلطجة ولو وجهت الحكومة والمجلس العسكرى ووزارة الداخلية مزيدا من الجهد لقضية الأمن لأسهم ذلك فى تسريع وتيرة استعادة النشاط الاقتصادى بدلا من تكريس حالة الإحباط لدى الناس بـ«فزاعة الاقتصاد».