مقاومة نفوذ إيران المعقد فى سوريا - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مقاومة نفوذ إيران المعقد فى سوريا

نشر فى : الأحد 28 مايو 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الأحد 28 مايو 2017 - 9:40 م
شنّت الولايات المتحدة مؤخرًا غارات جوية على الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والتى تحارب إلى جانب نظام بشار الأسد فى سوريا. فى الواقع، منذ الرد على الهجوم الكيميائى الذى شنه النظام السورى على خان شيخون فى أبريل الماضى، تناقش إدارة ترامب، وفقا لما تشير إليه التقارير تصعيد انخراط الولايات المتحدة فى سوريا، وفى حين هدفت الغارة الجوية الأخيرة إلى التصدى لتقدم الميليشيات تجاه قاعدة تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها، يتعين على واشنطن الاستعداد لمواجهة محتملة مع إيران التى تستفيد من نفوذ معقد (إنما قابل للمقاومة) فى سوريا؛ نفوذ يسمح لها بالسيطرة فعليا على أرض الواقع. من خلال هذا النفوذ، سترسم إيران وميليشياتها بالوكالة فى النهاية مستقبل الدولة السورية ومجتمعها ــ بما فى ذلك البنى الحاكمة والأمنية، والبيئة الاقتصادية (التى ستحدد المستفيدين من مبلغ 200 مليار دولار الذى تحتاجه إعادة إعمار البلاد)، وعلاقاتها الخارجية.
منذ العام 2012، عزّزت الميليشيات التى تسلّحها وتموّلها وتدرّبها إيران قوّتها على الأرض، وأدّت دورا محوريا فى الاستيلاء على حلب فى ديسمبر وفى تغيير ميزان القوى لمصلحة النظام وداعميه الإيرانيين. ولا عجب فى ذلك، فخلافا لخصوم إيران الساعين إلى تحقيق نفوذ فى سوريا، أمضى الزعماء الدينيون الإيرانيون نحو أربعة عقود يزرعون المجموعات المسلحة فى مختلف أنحاء العالم العربى لتعزيز نفوذهم.
لقد أثبتت إيران نيّتها وقدرتها على الاستفادة من الصراع ومن ضعف الدولة فى سوريا والمنطقة عموما. فى حين كانت إيران تؤمّن فقط السلاح والمال لحركتى حماس والجهاد الإسلامى وحزب الله السعودى ــ أو تسمح للمجموعات الجهادية على غرار أنصار الإسلام (النسخة السابقة لتنظيم القاعدة فى العراق وما يُعرف بالدولة الإسلامية) باستخدام الأراضى الإيرانية لشنّ الهجمات – أمّنت الحروب الأهلية فى المنطقة فرصا جديدة للنفوذ الإيرانى. منذ الثورات العربية بشكلٍ خاص، تمكّنت إيران من تأسيس منظماتها بالوكالة وتمكينها وتحصينها: كانت فرص نجاح منظماتها بالوكالة، كحزب الله فى لبنان أو المجموعات الشيعية العراقية المتمردة التى أسستها إيران فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، محدودة ضد الجيوش التقليدية، ولكنها أصبحت فى السنوات الأخيرة صاحبة القوة والسلطة المسيطرة نتيجة ضعف الدولة وإضعاف نظام الدولة فى الشرق الأوسط. ولإيران ميزة مختلفة: أمضت عقودا وهى تجرّب وتختبر وتتعلم من الحروب بالوكالة التى تحيط حاليا بالعالم العربى.
فقد حصدت رعاية طهران للمجموعات المسلحة أرباحًا مهمة فى السنوات الأخيرة؛ حيث اندمجت ميليشياتها الشيعية بالوكالة فى العراق بشكلٍ كامل فى النظام السياسى وشكّلت جهة موازية للجيش العراقى الأضعف منها بكثير. حين احتدم الصراع السورى، وسّعت هذه الميليشيات عملياتها عبر الحدود وأنشأت مجموعات تابعة لها فى سوريا لتحارب إلى جانب نظام بشار الأسد.
إلى جانب حزب الله فى لبنان (الذى ترك بصمته بعد أن استولى على القصير فى العام 2013)، أدّت الميليشيات الشيعية فى العراق دورا حاسما فى تغيير ميزان القوى لصالح نظام الأسد. لتكون الأمور واضحة، يُعتبر ذلك شبكة واسعة من القادة والمحاربين والموارد والأسلحة التى تمتد إلى أفغانستان. ولا يتعين على إيران أن توجّه كل واحدة من تلك المجموعات – إنما تعتمد بدلا من ذلك على ميليشيات رئيسية، كمنظّمة بدر فى العراق أو حزب الله فى لبنان لإدارة بعض المجموعات التابعة لها.
تنظّم طهران هذه المجموعات وتموّلها، إلا أنّ هذه المجموعات تتمتع باستقلالية كافية تسمح لها بالاستحواذ على موارد محلية وقواعد دعم خاصة بها. وتقوم الاستراتيجية فى أحد أجزائها على الاستيلاء عسكريا على الأرض والسيطرة عليها؛ فى حين تتضمن أجزاء أخرى تحويل المجموعات المسلحة إلى جهات فاعلة اجتماعية – ثقافية، لا سيما حيث تكون سيطرة الدولة ضعيفة. تحافظ هذه المجموعات على وجودها وتمنحه الشرعية من خلال تهديد المجتمعات المحلية (والخوف الذى تسببه)، معتمدةً فى أغلب الأحيان على الروايات الطائفية عن الضحية.
كما يساعد البعد الدينى والثقافى لاستراتيجية إيران على تحوّل ميليشياتها بالوكالة من مجموعة مسلّحة إلى حركة اجتماعية – ثقافية ثم (على نحوٍ مثالى، من وجهة نظرٍ إيرانية) إلى عنصر متكامل من النظام السياسى (من خلال دمح الميليشيات سواء فى الجيش أو الشرطة أو كقوات تابعة موازية للجيش).
إن حجم الدعم المحلى الذى تحصل عليه ميليشيات إيران بالوكالة فى سوريا غير واضح تماما. إلا أنّ بعض التقارير المقلقة تشير إلى أنّ نظام الأسد وإيران لا يزالان يتحكمان بالخريطة الديمغرافية للبلاد ــ من خلال التهجير القسرى ــ الأمر الذى قد يزيد المشكلة سوءا. علاوة على ذلك، حيث تغيب الدولة، لا تجد المجتمعات المحلية أمامها خيارا غير قبول المجموعات المسلحة ودعمها، فهى من وجهة نظرهم تؤمّن لهم الأمن والخدمات فى ظلّ غياب البدائل الحيوية.
***
إن الولايات المتحدة لم تخسر كلّ شيء بعد. لا بد بدايةً من تحديد ما تريده إيران فى سوريا. سأفترض أنّ الجواب هو شيء بين لبنان والعراق: دولة ضعيفة كفاية لتتمكن إيران من رسم هوية الدولة، إلا أنّ ضعفها لا يصل إلى درجة التفكك. وفقا لهذا المنطق، قد تريد إيران جيشا وطنيا ضعيفا، ومؤسسات تقوم على أساس طائفى، وسياسة وقيم متباينة. من شأن هذه العوامل جميعها أن تقلّص معا من احتمالات نشأة هوية وطنية قادرة على جمع المجتمعات السورية جميعًا وتولّد بالتالى دولة قوية مستقرة قد تضرّ بمصالح إيران على المدى الطويل.
إنّ ما يرسم مستقبل السياسة الخارجية هو خبرة إيران مع التطويق فى المنطقة (كونها محاطة بدول عربية معادية تمتلك جيوشا قوية، وموارد عظيمة، وحلفاء غربيين من شأنهم أن يهددوا النظام أو أن يجبروه على الخضوع)، مما يعيد إلى الأذهان أنّ عناصر الحرس الثورى الإسلامى الذى يقود انخراط إيران فى سوريا والعراق يتألف من محاربين قدامى شاركوا فى حربٍ دامت لثمانى سنوات مع العراق فى ثمانينيات القرن الماضى.
يتعيّن على صناع السياسة الأمريكيين تقدير هذه الديناميكيات. وفى ظل غياب تدخّل عسكرى كامل فى سوريا، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تركّز أساسا على الاحتواء. شكّلت الغارات الجوية الشهر الماضى، وكذلك الغارات الأخيرة، خطوة تمهيدية فى ذلك الاتجاه. بذلك يبعث الوجود الأمريكى القوى فى الشرق الأوسط الطمأنينة لدى أصدقاء أمريكا وحلفائها ويقلق أعداءها.
مع هذا فمواجهة إيران بشكلٍ حقيقى تتطلب مقاربة طويلة الأمد إزاء مشكلة معقّدة ودائمة التطور، وليس تدابير مجزّأة. على نحوٍ مثالى، قد تصل الولايات المتحدة إلى مستوى يعادل تفانى إيران والموارد التى استثمرتها فى سوريا.
لقد أشار البعض إلى أنّ الحل قد يتجسد فى اتفاق مع روسيا لكبح إيران وميليشياتها بالوكالة، إلا أنّ الرباط حول يدى موسكو محكمٌ – إذ كما أظهر تعطيل إيران لعملية الإجلاء من حلب، حدّت روسيا من تأثيرها على أعمال إيران فى سوريا. ومع تحقيق نظام الأسد وميليشيات إيران بالوكالة مكاسب إضافية، من المحتمل أن تبتعد أكثر عن دائرة النفوذ الروسى. ويقدّم هذا الأمر فرصةً لواشنطن للتنسيق مع موسكو بينما تحاول احتواء نفوذ إيران فى سوريا.
تقدّم المناطق الآمنة أيضا مقاربة أكثر واقعية للحد من النفوذ الإيرانى. ومن شأن ذلك أن يؤسس لموطئ قدمٍ مهم فى سوريا وقد يتضمن الاعتماد على التعاون العسكرى بين واشنطن وأكراد سوريا لمنع ضم كردستان سوريا (روج آفا) إلى نظام الأسد أو إيران أو إخضاعها لأى منهما. ويتطلب ذلك أيضا تشجيع وحدة حماية الشعب لتصبح عاملا أكثر شمولية ولتهدئة المخاوف التركية إزاء جرأة الروج آفا وقدرتها على تقويض أمنها القومى. سيكون على الولايات المتحدة أن تخصص موارد كبيرة من أجل المناطق الآمنة فى سوريا (المناطق الآمنة المتعددة، فى حال كانت الروج آفا من ضمنها، ستكون أكثر تعقيدا وخطورةً من المنطقة الآمنة التى أقيمت شمال العراق فى تسعينيات القرن الماضى) وأن تتفهم الأخطاء الماضية.
من المرجّح أن يكون مستقبل سوريا نموذجا كونفيدراليا يقسم السلطة بين عدة مناطق. وبناءً على ذلك، وضعت إيران استراتيجيتها فى سوريا تحضيرًا لهذا النموذج، ولتسمح لها بالسيطرة على بنى حاكمة مماثلة. يتعين على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفا لتتفادى ذلك ــ فى حال حاولت إيران أن تدمج مجموعاتها بالوكالة فى الدولة السورية أو هدفت إلى جعل وجودها دستوريا وشرعيا أو حين تحاول ذلك على سبيل المثال. أما فى حال ربطت الميليشيات الإيرانية بالوكالة فى سوريا نفسها بالأحزاب السياسية، والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الاجتماعية الثقافية، فقد تنهب الاقتصاد لا سيما وأن الموارد الدولية ستملؤه. كما أظهرت الأحداث فى العراق وأفغانستان ولبنان، يمكن أن تتحول الميليشيات إلى جهات فاعلة اقتصادية مهمة. بالإضافة إلى استخدام قدرتها العسكرية كقوةٍ ضد ميليشيات إيران بالوكالة، يتعين على الولايات المتحدة أن تركز بشدة على اقتصاد الحرب الذى يعزّز الصراع فى سوريا، والدعم الدولى المحتمل ــ إلى جانب الدعم الاقليمى ــ الذى نأمل أن يعزز نوعا من التسوية السلمية. وسيتطلب ذلك إيذاء ميليشيات إيران بالوكالة ماليا لإضعاف قدرتها على المحافظة على سيطرتها وعلى مشاركتها فى الحكم، وكذلك للمساعدة على توفير بدائل حيوية لسبل المعيشة للمجتمعات المحلية.
باختصار، يحقق الوجود الأمريكى فى سوريا التوازن بين القوى. إن وجود أمريكى أكبر يعنى قدرة أكبر على تأدية دور أكثر فاعلية ــ وهو أمر يسبب المشاكل للإيرانيين أكثر مما يوجد لهم الحلول.

النص الأصلى

رانج علاء الدين

 

التعليقات