على غرار فيلم سعاد حسنى الأشهر «خلى بالك من زوزو» جاء اسم مسلسل الدراما الاجتماعية «خلى بالك من زيزى» الذى تم عرض حلقاته خلال شهر رمضان. تصورت كالكثيرين أنه مسلسل كوميدى خفيف، فالاسم لا ينمّ عن موضوع جاد قد يلتفت إليه من عزفوا عن متابعة برامج التليفزيون التى تراجعت كثيرا فى أيامنا، لكن الأمر فاجأنى تماما حينما بدأت أشاهد حلقاته.
اختار صناع المسلسل أن يتعرضوا لظاهرة اجتماعية بالغة الأهمية تتعلق بالصحة النفسية للإنسان وعلاقته بمجتمعه. جاء المسلسل ليوجه رسالة للتعريف بأحد اضطرابات النفس والسلوك والتى يعرفها العلم بأنها «اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه» Attention deficit/hyperactivity disorder (ADHD). ذلك الاضطراب السلوكى الذى ينتاب ملايين الأطفال حول العالم وقد يستمر معهم إلى مراحل متأخرة من العمر يسبب بعضا من صعوبات الحياة والتراجعات فى تحقيق الأهداف والانتظام فى الأعمال وتحقيق النجاحات المتوقعة. يعانيه الأطفال بدرجات مختلفة قد لا ينتبه إليها أو يستطيع رصدها وتشخيصها بدقة الأهل أو المدرسة فيما بعد. تبدو الأعراض للكثيرين أعراضا لسلوكيات تعود إلى شخصية الطفل، فيوصف بالعنيد أو المدلل أو المهمل أو غير العابئ بمن حوله أو غيرها من الصفات التى قد تستوجب العقاب أحيانا، فيأتى بنتائج عكسية، أو التدليل الزائد فلا هذا يجدى ولا ذاك هو العلاج الحقيقى لاضطراب سلوكى نفسى يجب تشخيصه بدقة أولا. يبدأ علاجه بصورة صحيحة كلما بدأت مبكرة كلما كان الشفاء أقرب إلى الواقع وأيسر منالا.
الطفل الذى يعانى من هذا الاضطراب سهل الالتهاء كثير النسيان من الصعب عليه التركيز فى نشاط واحد ،سريع الملل لا يملك الصبر الذى يمكنه من إنهاء مهمة بالكامل أو تعلم شىء جديد، قد لا ينصت إليك حينما توجه إليه الحديث أو لا يلتفت إليك إذا ناديته، يرتبك بسهولة ولا يمكنه متابعة التعليمات. أو الإجابة على الأسئلة فى المدرسة بترتيب منطقى.
هو طفل نافد الصبر فى رأى كل من حوله، مندفع أحيانا وقد يجيب عن سؤال لم يوجه إليه بصورة صحيحة، فيبدو الأمر ملتبسا على المهتمين بأمره سواء فى المنزل أو المدرسة.
كم طفلا فى محيط عائلتك ــ عزيزى القارئ ــ تراه فى تلك الصورة، فلا تتوقف لتسأل نفسك: هل هذا الطفل بحاجة إلى مساعدة تعيده إلى السلوك الطبيعى التلقائى الذى يضمن له مستقبلا سويا يصنعه بنفسه كباقى الأطفال.. أم أن هذا «طبعه» الذى لا حيلة لنا فيه وعلينا أن ننتظر أن تعلمه الأيام؟
التحية واجبة لكل صناع هذا المسلسل الهادف من الدراما الاجتماعية الراقية. أجادوا جميعهم بالفعل فى حدود الأدوار المرسومة لهم وهذا هو ما أود أن أشير إليه: بعض من النقد الهادف الذى لا يقلل على الإطلاق من احترامى لفنهم الذى منه صاغوا تلك الرسالة الهادفة للمجتمع بأسره. مجرد اختيار الفكرة فيه الكثير من الشعور بالمسئولية ودرجة عالية من الوعى المجتمعى الذى تفتقده معظم أعمال الدراما السائدة الآن والتى أراها على عكس ما يدعى أصحابها أنها تستعرض الواقع المصرى أراها تصنع وتؤصل لواقع لقيط لا علاقة له بمصر أو المصريين.
العمل بالفعل عمل درامى ممتاز يفتح الأبواب لتيار هادف من الفن الراقى الذى يؤثر بالفعل فى وعى المجتمع ويشارك فى صنع إدراكه.
ملاحظتى الأخيرة والتى أتمنى ألا تمس رغبتى الأكيدة فى الاحتفاء بهذا العمل التميز أن كفة الدراما والرغبة فى إمتاع المشاهدين قد طغت على كفة العلم. حتى اللحظة مازال السبب الحقيقى لذلك الاضطراب غير مؤكد علميا وحدوثه يخضع لنظريات كثيرة ليس كما جاء فى أحداث المسلسل من أنه نتيجة لمعاملة الأهل القاسية. أيضا حديث الطبيب النفسى عن أنه لا يلجأ للأدوية فى علاجاته وإشارته إلى أنها تضر. الحالات الحادة من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة يجب علاجها باستخدام الأدوية لأنها لا تستجيب للعلاج النفسى وحده.
أنا أيضا أتبع هذا المنهج الذى أسسه العلامة العربى والطبيب الأشهر أبو بكر الرازى والذى ينصح فيه تلاميذه «كلما كان الغذاء علاجا لا تلجأ للدواء، وكلما قدرت على العلاج بدواء واحد فلا تلجأ للثانى»، لكن استبعاد الأدوية نهائيا من علاج أى مرض أو عرض أمر قد يحبذه المريض وأهله ويتمسكون به، خاصة إذا ما جاء الرأى على لسان طبيب تضيع بالفعل على المريض فرصة الشفاء الكامل.
أتمنى أن تتكرر مثل تلك الأعمال الهادفة والتى تحمل رسائل تخاطب الوعى فى المجتمع المصرى حتى يمكن للدولة أن تراهن عليه بثقة فى تجارب أخرى كثيرة. وإن كنت أتمنى أن ينضم «لورشة الكتابة» فى العمل القادم من تلك النوعية المحترمة من أعمال الدراما متخصص على علم ودراية حتى يتم التوازن المرغوب بين العلم والدراما ،ويتحقق الهدف على أكمل وجه.