غضب إسرائيلي أمريكي من الاعتراف بالدولة الفلسطينية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غضب إسرائيلي أمريكي من الاعتراف بالدولة الفلسطينية

نشر فى : الثلاثاء 28 مايو 2024 - 8:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 مايو 2024 - 8:15 م

أصاب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية غضب وإحباط شديد عدة مرات وفى فترات متفاوتة من اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية. كانت المرة الأولى عندما صوت مجلس الأمن للأمم المتحدة على مشروع قرار بقبول فلسطين دولة كاملة العضوية فى الأمم المتحدة ووافق 12 عضوا وامتنع عن التصويت عضوان مما أرغم واشنطن على استخدام الفيتو (النقض) لمنع صدور القرار وظهرت أمام العالم بأنها ضد حق الشعب الفلسطينى المشروع فى إقامة دولته. والمرة الثانية عندما عرض مشروع قرار بنفس الموضوع على الجمعية العامة للأمم المتحدة وحصل على موافقة 143 دولة ومعارضة 9 دول فقط تزعمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مع دول فى المحيط الهادى صغيرة للغاية.
• • •
وقد حقق قرار الجمعية العامة لدولة فلسطين عدة مزايا منها أنها دولة مؤهلة للعضوية الكاملة فى الأمم المتحدة وأن يعاد عرض الموضوع على مجلس الأمن للموافقة عليه، وأصبح من حق دولة فلسطين اعتبارا من دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2024 أن يكون لها مقعد دائم وفقا للحروف الأبجدية فى قائمة الجمعية العامة، ولها حق إدخال إضافات وتعديلات على مشروعات القرارات التى تقدم للجمعية العامة، وحق إلقاء كلمات وبيانات نيابة عن وفود ومجموعات إقليمية، وحق المشاركة فى جميع المؤتمرات والاجتماعات التى تنظمها الجمعية العامة والوكالات والمنظمات المتخصصة التابعة لها.
ويلاحظ أن 16 دولة أعضاء لم تحضر اجتماع الجمعية العامة نتيجة ضغوط قوية تعرضت لها ووضعتها فى موقف حرج فضلت معه عدم المشاركة فى الاجتماع. هذا إلى جانب 25 دولة امتنعت عن التصويت تحرجا من أن تصوت ضد القرار. ونتج عن هذا القرار إعطاء دولة فلسطين حقوق الدولة كاملة العضوية ما عدا حق التصويت على القرارات، وذلك بغض النظر عن ما إذا كان مجلس الأمن سيوافق أم يعترض بالفيتو الأمريكى عند إعادة عرض القرار عليه.
وأعقب ذلك ضربة موجعة للموقف الإسرائيلى الأمريكى باتفاق كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج على إعلان ثلاثى مشترك فى وقت واحد وعلى كل وسائل الإعلام العالمية باعترافهم بالدولة الفلسطينية فى 22 مايو 2024 على أن يسرى عمليا اعتبارا من ٢٨ مايو 2024. ومن أسباب أهمية هذا القرار أنه صادر عن دول أوروبية لكل واحدة منها ارتباط بالقضية الفلسطينية، فقد كانت مدريد عاصمة إسبانيا مكان انعقاد مؤتمر السلام فى الشرق الأوسط فى أكتوبر 1991 بدعم من الرئيس الأمريكى بوش الأب عقب حرب الكويت، ومن ثم توالى اهتمام ومتابعة إسبانيا لمسيرة محاولات التوصل إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، والوقوف عن كثب على مدى تعنت ومراوغة إسرائيل بدعم أمريكى، من الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. وهو ما دعا رئيس حكومة إسبانيا إلى القول إن الشعب الإسبانى مسالم وهذا ما يظهره آلاف المتظاهرين فى الاحتجاجات ضد مجازر غزة، متهما نتنياهو بمواصلة تدمير غزة وتعريض حل الدولتين للخطر. وقامت إسبانيا بحملة لدعم اعتراف دول أخرى بالدولة الفلسطينية، ووقف إطلاق النار فى غزة، وإبلاغ واشنطن بنيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
أما النرويج فهى صاحبة الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التى أسفرت عن التوصل إلى اتفاق أوسلو فى أواخر عام 1993، والذى أنشئت بموجبه السلطة الفلسطينية تحت شعار غزة وأريحة أولاً، على أن يجرى استفتاء عام 1999 باستقلال فلسطين أو انضمامها للأردن أو لإسرائيل. ولكن اليمين الإسرائيلى المتطرف رفض ذلك واغتال رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحق رابين، وتوقفت عملية السلام رغم استمرار المفاوضات والمراوغات الإسرائيلية لكسب الوقت وبناء مزيد من المستوطنات وتهويد القدس الشرقية، وضاع اتفاق أوسلو بسبب التعنت الإسرائيلى. لذا فقد أعلن رئيس وزراء النرويج أن الهدف من الاعتراف هو إقامة دولة فلسطينية متماسكة سياسيا أساسها السلطة الفلسطينية، وأن حل الدولتين من مصلحة إسرائيل. وأن الحرب فى غزة جعلت من الجلى أن تحقيق السلام والاستقرار لا بد أن يستند إلى حل القضية الفلسطينية. وقال «إنه كان ممكنا تفادى المأساة والقتال الحالى فى غزة لو تم الاعتراف بفلسطين بعد اتفاق أوسلو». ورغم عدم عضوية النرويج فى الاتحاد الأوروبى، إلا أنها تنسق مع دوله.
وجاءت كلمة رئيس وزراء أيرلندا أكثر صراحة بقوله «إن شعب فلسطين يستحق مستقبلاً مليئا بالأمل والسلام» وأنه «لا مستقبل للنسخة المتطرفة من الصهيونية التى تغذى عنف المستوطنين، والاستيلاء على الأراضى» وأنه «لا يمكن أن يكون هناك سلام بدون المساواة»، ويعنى بذلك المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من حيث حقوقهم. وقال «إنه يتوقع من دول أخرى أن تنضم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية»، وذكر أن أيرلندا كانت فى يناير 1919 فى موقف مشابه حيث طالبت وقتئذ العالم بالاعتراف باستقلالها، وحقوقها الوطنية المميزة ونضالها التاريخى وحقها فى تقرير المصير والعدالة.
ولقى هذا الاعتراف الثلاثى بالدولة الفلسطينية ترحيبًا وتقديرًا من السلطة الفلسطينية التى أشادت بمواقف الدول الثلاث التى دأبت على تأييد الحقوق الفلسطينية فى المحافل الدولية، وأن قرارها الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتسق مع مبادئ القانون الدولى بحق الشعوب فى التخلص من الاستعمار والاضطهاد والعيش بحرية وعدالة واستقلال. واعتبرته حركة حماس خطوة مهمة على طريق تثبيت حقوق الفلسطينيين فى أرضهم وفى إقامة دولتهم، ودعت الدول الأخرى إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ورحبت مصر والدول العربية وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجى العربى بهذا الاعتراف الثلاثى وحثت باقى الدول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
• • •
وقد انتاب إسرائيل حالة من الغضب الشديد جعلت حكومتها وقادتها يأتون بردود أفعال تزيد وتؤكد من إدانتهم وإدانة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وتزيد من ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. واعتبر رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو أن اعتراف الدول الثلاث بدولة فلسطين مكافأة للإرهاب، وستكون دولة إرهابية لن تحمل السلام وأن إسرائيل لن تقبل بذلك. والغريب فى الأمر أن يتحدث نتنياهو عن مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الاستعمارى الاستيطانى العنصرى الإسرائيلى بأنه إرهاب، بينما تمارس إسرائيل إرهاب الدولة بأقصى صوره اللإنسانية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية، وتسرق أراضيهم وأموالهم جهارًا نهارًا فى تحدى لكل القوانين الدولية والقيم الإنسانية. وهددت الحكومة الإسرائيلية بإجراءات عقابية ضد الدول الثلاث، واستدعت سفيريها فى كل من أيرلندا والنرويج للتشاور بصورة عاجلة، وهددت بإجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية بمصادرة أموال المقاصة التى تحصلها سلطات الاحتلال الإسرائيلى، والعودة إلى الاحتلال والاستيطان فى المنطقة الشمالية فى الضفة الغربية والخاضعة للسلطة الفلسطينية وفق اتفاق أوسلو. وعاد وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن جفير لاقتحام المسجد الأقصى وإعلان عدم السماح بقيام دولة فلسطينية. هذا إلى جانب تصعيد خطير للعمليات العسكرية الإسرائيلية فى رفح وكل قطاع غزة والتمادى فى تجويع سكان القطاع بتعطيل وصول المساعدات الإنسانية إلا أقل القليل منها. وطالب وزير المالية اليمينى سموتريتش بعقد اجتماع فورى لمجلس التخطيط الاستيطانى فى الضفة الغربية للمصادقة على بناء عشرة آلاف وحدة سكنية استيطانية، وطالب بمصادقة مجلس الحرب الإسرائيلى على إقامة مستوطنة إسرائيلية مقابل اعتراف كل دولة بالدولة الفلسطينية. وإلغاء تصاريح كبار الشخصيات فى السلطة الفلسطينية بشكل دائم لكل المعابر (الحواجز الإسرائيلية فى الضفة الغربية) وفرض عقوبات مالية إضافية على كبار المسئولين الفلسطينيين وعائلاتهم. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلى على إلغاء قانون فك الارتباط مع الضفة الغربية وتدعيم الاستيطان وأمن المستوطنين فى الطرق والمستوطنات. وأكد وزير الطاقة الإسرائيلى إيلى كوهين أنه «لن يكون هناك سوى دولة إسرائيل من النهر إلى البحر».
وقال البيت الأبيض الأمريكى إن الرئيس بايدن يعارض «الاعتراف أحادى الجانب» بدولة فلسطينية، وأن بايدن «مؤيد قوى لحل الدولتين، وكان كذلك طوال مسيرته»، وأنه «يعتقد أن إقامة دولة فلسطينية يجب أن يتحقق من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وليس من خلال اعتراف أحادى الجانب».
• • •
والحقيقة أن الموقف الأمريكى متناقض تماما مع نفسه سواء فى استخدام الفيتو فى مجلس الأمن، أو التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبولها عضوًا كامل العضوية فى الأمم المتحدة، وفى نفس الوقت الزعم بتأييد حل الدولتين عن طريق المفاوضات المباشرة، وكأنهم لا يسمعون ولا يرون الرفض الإسرائيلى لقيام دولة فلسطينية، وكأن الرئيس كلينتون لم يوقع ضامنًا لاتفاق أوسلو وتنفيذه، وكأنهم لم يعايشوا المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية منذ 1993 والتى استخدمتها إسرائيل غطاء للتوسع فى المستوطنات وإضعاف السلطة الفلسطينية وسلب اختصاصاتها. كما أن الاعتراف الثلاثى بالدولة الفلسطينية جاء من حلفاء مقربين من الولايات المتحدة الأمريكية يضافون إلى 143 دولة أخرى، تقيم 95 دولة منهم علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، الأمر الذى يثبت خطأ الموقف الإسرائيلى الأمريكى ويزيدهما عزلة دولية.
ولا شك أن هذا الاعتراف الثلاثى سيشجع دولاً أخرى على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومع تزايد أعداد الدول المعترفة بدولة فلسطين ستأتى حتمًا مرحلة أخرى تقرر فيها هذه الدول أو أغلبيتها فرض عقوبات اقتصادية وتجارية وسياسية على إسرائيل الدولة الاستعمارية العنصرية التى تنتهك كل القوانين الدولية والإنسانية إلى أن تعترف بحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات