أصدر قداسة البابا فرنسيس بابا روما، الأسبوع الماضى، رسالة معنونة «كن مسبحا»، والعنوان مقتبس من نشيد المخلوقات للقديس فرنسيس الأسيزى «كن مسبحا يا سيدى إن الأرض بيتنا المشترك هى كأخت نتشارك معها الوجود وكأم جميلة تضمنا بين ذراعيها».
تقع الرسالة فى 125 صفحة على ست فصول، وهذه الرسالة تحضير لمؤتمر القمة الدولى، الذى سينعقد آخر هذا العام فى فرنسا حول الحفاظ على البيئة والتى أصبحت الكنيسة الكاثوليكية فى الثلاثين عاما الأخيرة، تهتم به وبلورت ما يسمى الآن «لاهوت البيئة».
يذكرنا البابا أن الإنسان «تراب» «تك 2/7» وجسدنا ذاته مكون من عناصر الأرض، وهواؤها هو الذى نتنسمه، وماؤها هو الذى ينعشنا ويجددنا.
ويدعونا قداسته «لتوبة بيئية، والاهتمام بالبيت المشترك ويقول راجيا، الكائن البشرى مازال قادرا على التدخل بشكل إيجابى».
وينطلق قداسته من فكرتين أساسيتين، الأولى: أنه لا يمكن للإنسان أن يدافع عن الطبيعة وفى نفس الوقت يخربها فيبرر الإجهاض أو يسئ معاملة أى مخلوق آخر.
والثانية: الاستثمار فى التربية للحفاظ على البيئة فهى عطية الله وتكفى التصرفات الصغيرة كفصل النفايات وعدم إهدار المياه والأكل وإطفاء الأضواء.
يلح البابا على أهمية إصغائنا إلى صرخة الخليقة، فالتغيرات المناخية مشكلة عالمية ذات أبعاد بيئية واجتماعية واقتصادية وتوزيعية وسياسية، ويناشد المسئولين ألا يحجبوا هذه المشكلات، كما يؤكد على أن الحصول على مياه نظيفة حق جوهرى للإنسان وكذلك الحفاظ على النبات والحيوانات من الانقراض.
يذكرنا البابا بنصوص الخلق فى الكتاب المقدس، والذى يعطينا تعاليم عميقة حول الوجود البشرى وواقعه التاريخى والذى يقوم على ثلاثة أبعاد، علاقة الإنسان بالله، علاقته مع الآخر، وعلاقته مع الأرض.
ويحذر قداسته من أن يسود منطق السوق الذى لا يضمن النمو البشرى الكامل ولا التماسك الاجتماعى، فمنطق الحياة الاستهلاكية «استعمل وارم» «قد ينسحب على تعامل الإنسان مع أخوه الإنسان وأيضا الطبيعة كمجرد سلعة ونجد نفس المنطق فى استغلال الأطفال وهجر المسنين والإتجار بالبشر وشرور أخرى كثيرة».
كما يدعو البابا إلى عدالة توزيع خيرات الأرض، فلا يجوز أن يستحوذ عدد قليل من الأشخاص على الجزء الأكبر من الأرض المنتجة، فعلينا أن نفكر فى المنتجين الصغار وعمال الأرياف.
وفى إرشادات عملية، يدعو قداسة البابا فرنسيس للحوار العلمى والاجتماعى الشامل والمسئول، وأن يكون ثمار هذا الحوار عمل مشترك ووضع سياسة دولية مشتركة، للخروج من دراما التدمير كما يدعونا «لتوبة فيما نخربه فى البيئة» حتى كل شخص يتحمل مسئوليته الضميرية حول حفاظه عليها، كما يشجع بأن تكون التربية حول الحفاظ على البيئة فى التعليم الدينى والمدارس والعائلات، ويطالب بأن نضغط مع حركات حقوق المستهلك على أصحاب السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى الشركات، لإجبارها على تقييم التأثيرات البيئية.
ويحثنا قداسة البابا فى ختام رسالته، بأن الاهتمام بالطبيعة لا ينفصل عن اهتمامنا بالفقراء والالتزام فى المجتمع وتحقيق السلام الداخلى.
اللطيف، أن بعض السياسيين هاجموا البابا قائلين«ليهتم البابا بالعلوم الدينية ولا عليه أن يتدخل بالأمور العلمية»، فأجابهم بأنه قبل الكهنوت «كان مهندسا كيميائيا وحامل الماجستير فى الكيمياء من ألمانيا. فالكنيسة لا تتدخل فيما هو فى غير اختصاصها لكن من واجبها أن تنبهنا « أخلاقيا» فيما هى واجباتنا تجاه بيئتنا وبيتنا المشترك».