نشرت جريدة الرياض السعودية مقالا للكاتبة فضيلة الفاروق... نعرض منه ما يلى:
تزوجت فى الثالثة عشرة من عمرها، وفى الرابعة عشرة كانت قد أصبحت مطلقة، عاشت سنة بكاملها مع زوج يكبرها بأربعين عاما بعد أن طلق زوجته الأولى وأم أولاده، كانت صفقة زواجه الثانى خاسرة، فقد وجد نفسه أمام طفلة لا تعرف من أمور الحياة شيئا، رغم إتقانها قليلا من الفرنسية، والتركية، وعزفا على البيانو، وهى معطيات لم تنفعه فى حياته الجديدة أبدا، فقد كان فى منتصف العمر، وحياته كانت ذاهبة فى انحدار نحو النهاية، أما هى فقد أدرك أنها مثل الفاكهة الفجة لا يجب أن تؤكل قبل نضوجها، فعاد إلى الزوجة التى تلبى رغباته كلها وتتقن الاعتناء به وبأفراد أسرته الكريمة.
الرجل الذى تعلم هذا الدرس، لم يُعطَ أى اهتمام فى تاريخ كتبنا، ومسار تعليمنا، واتساع دائرة معارفنا. فقد زُج به فى مقبرة النسيان، ليظل خارج مشهدنا الثقافى ــ السوسيولوجى إلى يومنا هذا، رغم ذكره بشكل عرضى من حين لآخر.
هذه الحادثة التى مر عليها 128 سنة، وُضعت خلف الصورة البراقة لثورة النساء فى مصر حين كانت «أما للدنيا» وفى مقدمتهن السيدة هدى شعراوى القوية، بما أمكن لهذه السيدة من إبهارنا بمسارها الثورى لتصحيح الواقع الاجتماعى المزرى لبنات جنسها سواء فى مصر أو فى العالم العربى الذى امتدت إليه شيئا فشيئا شرارة ثورتها، حتى أصبحت «الشعراوى» شعارا تتغنى به نساء كثيرات من الخليج إلى المحيط.
هذا الرجل الذى تحول شبحا منسيا كان الزوج الأول لهدى شعراوى نفسها، والتى احتفل «جوجل» بعيد مولدها الـ141 أخيرا، مذكرا أن تاريخ النضال النسائى فى العالم العربى لا يجب أن ينسى فضل هذه السيدة، لكن الحقيقة هى أن ما تصبو إليه المرأة من احترام فى مجتمعنا لا تصنعه امرأة ولا امرأتان، ولا ستون ألف امرأة، ما لم يكن مُشَكلا من وعى كامل مشترك بين المرأة والرجل.
هدى الشعراوى نفسها طوت صفحة زواجها الأول، وجاءت بعدها نساء كثيرات ناضلن من أجل تغيير قوانين مجحفة فى حقهن، لكنهن خلال تلك الثورة المليئة بالصراعات مع الأسرة والمجتمع، أسقطن من ذاكرتهن الرجال الذين أخطئوا فى حقهن، وصححوا مساراتهم بعد خوض التجربة الخاطئة. أُسقِط أيضا رجال آخرون كانوا دعامة أساسية لدخول النساء إلى المدارس، والجامعات، ومنقذين حقيقيين لنساء كثيرات ممن أخفقن فى إيجاد أزواج لإعالتهن من معاناة محتملة.
المحزن أنه ظل فى الواجهة الإعلامية رجال من النوعية السيئة، تلك التى ألفنا لغتها التدميرية لكلا الجنسين، بمحتوى فكرى فقيرٍ جدا لا يتجاوز لباس المرأة والانتقاص من حقوقها المادية، مستحوذين على المكانة التى يفترض أن تكون من نصيب رجال ذوى حكمة، يبرزون ما اكتسبوه من خبرات حياتية، دون خوف من البوح الإيجابى بالتغيير الذى حدث فى حياتهم.