كورونا وتداعياتها على النساء - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كورونا وتداعياتها على النساء

نشر فى : الإثنين 28 يونيو 2021 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 28 يونيو 2021 - 7:35 م
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتبة رفيف رضا صيداوى، تحدثت فيه عن أسباب ازدياد حالات العنف ضد المرأة فى فترة الوباء مركزة بشكل خاص على العالم العربى... نعرض منه ما يلى.
بقدر ما تعكس جائحة كورونا عدم المُساواة القائمة فى المُجتمعات العربيّة، واختلالات نُظمها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، فإنّها فى الوقت عينه تُسهم فى تعميق أوجه عدم المُساواة بين الجنسَين. ويُشكّل المجال الخاصّ فى هذا السياق المُختبر الواقعى والموضوعى الذى تعتمل فيه هذه الروابط كلّها وعلاقات التأثُّر والتأثير بين العامّ والخاصّ التى يحتلّ العنفُ ضدّ المرأة فى الأسرة، أحدَ أبرز مَظاهرها.
يُشكّل العنفُ ضدّ المرأة فى المُجتمع، وفى الأسرة ظاهرةً عالَميّة تلقى بتأثيراتها على النساء فى البلدان الغنيّة والبلدان الفقيرة، أو المتقدّمة والنامية، بقدر ما تلقى بتأثيراتها أيضا على النساء من الطبقات الاجتماعيّة المُختلفة، لكون أسباب هذه الظاهرة كامنة فى البنية البطريركيّة الذكوريّة التى تسود العالَم بأسره، وتولِّد التمييز ضدّ النساء. فهذه السلطة الأبويّة الذكوريّة التى أنتجت تصوّراتٍ نمطيّة تجاه دَور كِل الجنسَين، تقوم، فضلا عن ذلك، بتكريس هذه التصوُّرات عبر شرْعَنَة العنف ضدّ المرأة فى المجال الخاصّ، وفى دائرة العائلة على وجه الخصوص، وذلك كآليّة من آليّات إعادة تكريس هذه التصوّرات النمطيّة، إذ إنّه فضلا عن علاقات القوى والسيطرة الأبويّة/ البطريركيّة الطبقيّة المُنتجة لأشكالٍ لا حصر لها من التمييز السياسى والاقتصادى والاجتماعى ضدّ المرأة، فإنّ العنف المُمارَس ضدّها يرتبط بمسألة الكيان الجنسى للأنثى، ومن هنا اتّخاذه فى كثير من الحالات مَظهرا جنسيّا، كتشويه الأعضاء الجنسيّة للأنثى، والاغتصاب، وما شابه. علما بأنّ الاضطّهاد القائم على أساس الجنس غير واضح بقدر وضوح الاضطّهادات الأخرى، الطبقيّة أو العرقيّة أو الإثنية أو غيرها من الاضطّهادات التى تقع على الجنسَيْن.
لكنْ، على الرّغم من عالَميّة ظاهرة العنف ضدّ المرأة، إلّا أنّها تكتسى دلالاتٍ تحيل على خصوصيّة النسق الثقافى الذى تندرج فيه، وعلى بعض مظاهر العنف أو أشكاله التى تُطاول النساء فى مُجتمعاتٍ دون غيرها. ففى عدد لا يستهان به من دولنا العربيّة، تُواجِه النساء تمييزا فاقعا فى تطبيق النصوص القانونيّة بحقهنّ، وهنّ، عدا كونهنّ غير مُتساويات مع الرجال أمام القانون، غالبا ما يُواجهنَ قوانين الظلّ التى تسنّها الأعراف والتقاليد لضبْط قواعد التصرُّف والسلوك المكرِّسَة لموقع المرأة الدونى.
من هنا، يُمكن تلمُّس، مثلا، أسباب ارتفاع حالات العنف المُمارَس ضدّ النساء فى العائلة فى المُجتمعات العربيّة خلال الإغلاق بسبب فيروس كورونا، على الرّغم من عالَميّة هذه الظاهرة التى حذَّرت هيئة الأُمم المُتّحدة للمرأة من تفاقُمها واصفةً إيّاها بـ «الجائحة الظلّ»، وعلى الرّغم أيضا من أنّ قضيّة النهوض بالمرأة، وتمكينها، كانت قد غدت واحدة من أهمّ القضايا المُعاصرة، ومحورا أساسيّا من مَحاور اهتمام الحكومات والهيئات الأهليّة ومُنظّمات المُجتمع المدنى فى غالبيّة دول العالَم، ومنها بلداننا العربيّة. فقد أشارت «مجموعة الحماية العالَميّة» فى شهر أغسطس من العام 2020، إلى «أنّ العنف القائم على نَوع الجنس كان يحدث بمعدّل أعلى، بنحو 90 فى المائة، عمّا كان عليه الحال قبل الجائحة، ولاسيّما فى بلدانٍ مثل أفغانستان وسوريا والعراق».
وعلى الرّغم من الصعوبات الكامنة فى رصد حالات العنف ضدّ المرأة فى الأسرة فى ظلّ الحجْر المنزلى الذى فرضته جائحة كورونا، وتعذُّر الأمر فى أغلب الأحيان، ارتفعت فى لبنان أسوة بباقى الدول، وتيرة هذا النَّوع من العنف، بحسب الجمعيّات والمنظّمات المختصّة بمُناهضة العنف ضدّ المرأة. كما أكّدت قوى الأمن الداخلى فى لبنان، بالاستناد إلى الخطّ الساخن المُخصَّص لتلقّى شكاوى العنف الأسرى، ارتفاع نسبة هذا النَّوع من العنف خلال الحجْر المنزلى، بنسبة 100% فى شهر مارس 2020 الفائت مُقارنةً بعدد التبليغات فى مارس 2019.
أمّا فى مصر، فقد أَظهرَ «استطلاع رأى المصريّات حول فيروس كورونا المُستجدّ فى الفترة من 4 إلى 24 إبريل 2020»، الذى أَطلقه المجلس القومى للمرأة، وأجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العامّ «بصيرة»، بالتعاون مع هيئة الأُمم المُتّحدة للمرأة، وشَمَلَ 1518 من الإناث فوق سنّ 18 عاما، أنّ الجائحة أَسهمَت فى إحداث تغييرٍ فى نمط الحياة الذى كان سائدا ما قبل الجائحة، وأنّ 11% من الزوجات تعرَّضن للعنف من الزوج (ضربا أو إهانةً لفظيّة)، وأنّ المشكلات الأسريّة زادت بنسبة 33%، مقابل 19% لنسبة زيادة العنف بين أفراد الأسرة.
وفى مطلق الأحوال، ومن خلال استطلاع شَمَلَ 9 بلدان عربيّة (ليبيا، تونس، اليمن، المغرب، لبنان، الأردن، فلسطين، العراق ومصر)، أفادَ «عدد أكبر بقليل من النساء مُقارنة بالرجال بأنّهنّ يشعرن بعدم الأمان فى منازلهنّ، وأفادت امرأة واحدة على الأقلّ من بين كلّ خمس نساء فى الدول التى شملتها الدراسة عن خوفها من العنف المنزلى (من قبل الزوج أو أحد أفراد الأسرة) باستثناء دولة واحدة (لبنان) حيث كانت النسبة أقلّ (حوالى 15%) (تقييم سريع حول تأثير جائحة كوفيدــ19 على الأعراف الاجتماعيّة القائمة على النَّوع الاجتماعى، والعنف ضد المرأة. موجز من 9 دول عربيّة، هيئة الأُمم المتّحدة، 2020). والنتائج التى جاء بها هذا التقييم تشكِّل بحدّ ذاتها دلالة على الأعباء التى ترزح تحتها المرأة فى الأسرة ضمن ثقافة وأعراف اجتماعيّة تُحمّلها مسئوليّة تماسُك الأسرة أو تفكّكها، على اعتبار أنّ أيّ تغيير فى أدوارها، يشكّل تهديدا للأسرة والمُجتمع فى آن. حيث اتّفقت نسبة كبيرة من الإجابات فى معظم البلدان التى استطلعت آراء الناس فيها على ضرورة أن تتسامح المرأة «مع العنف المنزلى للحفاظ على بقاء أسرتها معا، بخاصّة فى هذه الأوقات الصعبة، وسُجِّلت أعلى نسبة فى اليمن 52%) وأقلّها فى تونس (31%) ووافَق الرجال بنسبة أكبر من النساء، فى جميع البلدان، على هذا البيان». ما يعنى ضرورة التزام الفتيات والنساء بيوتهنّ إلى جانب الأشخاص الذين يُمارسون العنف عليهنّ، إمّا مُراعاةً للتقاليد والأعراف الاجتماعيّة، وإمّا لأنّهنّ يعتمدن على الرجال فى معيشتهنّ إذا كنّ غير مستقلّات اقتصاديّا أو غيرها من الأسباب، فضلا عن تعذُّر وصولهنّ إلى المؤسّسات والجمعيّات التى تدعم ضحايا العنف المنزلى، أو إلى المَخافر أو القضاء. وفى هذا الصدد أَفاد عددٌ من الناشطين فى مؤسّساتِ وجمعيّاتِ مُناهضةِ العنفِ ضدّ المرأة عن عدم توافُر الهواتف المحمولة فى متناول النساء، وخضوع هذه الهواتف فى بعض الأحيان لسيطرة الأزواج أو الآباء وسواهم من ذكور الأسرة، ناهيك بمستويات مُختلفة من المَعرفة الرقميّة بين النساء.
الضغوط على النساء داخل الأُسر
تُسجِّل الدُول العربيّة أعلى نسبة لجهة النساء اللّواتى يُقدّمن رعاية غير مدفوعة الأجر للآخرين وبدوام كامل (59,9%)، تليها آسيا والباسيفيكى (27,0)، ثمّ الأمريكيّتان (16,5)، فأفريقيا (15,7%)، وأخيرا أوروبا وآسيا الوسطى (11,3%). وأعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر هذه تقوم بها النساء، بوصفهنّ نساء، ما يدفعهنّ إلى تحمُّل مسئوليّة القيام بمعظم أعمال الرعاية اليوميّة للأطفال، أو لكبار السنّ فى الأسرة أو للأشخاص المُحتاجين إلى رعاية فى الأسرة، ناهيك بالأعباء المنزليّة. ففى المنطقة العربيّة، تمضى النساء 5 ساعات و48 دقيقة يوميّا فى القيام بهذه الأعمال مقارنةً بساعةٍ واحدة و10 دقائق يمضيها الرجال فى القيام بهذه الأعمال.
وأظهرت دراسة حول أربعة بلدان عربيّة (مصر، الأردن، تونس وفلسطين) أنّ النساء المتزوّجات فيها، واللّواتى يعملن خارج المنزل، يتحمّلن العبء الأكبر من العمل، بسبب الرعاية غير المدفوعة الأجر للآخرين، والأعمال المنزليّة، وهو ما أُطلق عليه ظاهرة «العمل لفترتَين»، بحيث تتحمّل النساء المتزوّجات العاملات إجمالى عبء العمل الأكبر، إذ يعملن بنسبة 9% و22% و41% و50% أكثر من الذكور فى تونس ومصر وفلسطين والأردن على التوالى. وقد ازدادت لا بل تضاعفت هذه الأعباء فى ظلّ الحجْر الذى فرضته الجائحة، وما رافقه من تحوّل كبير إلى العمل عن بُعد فى مجالات مُختلفة، ناهيك بتحوُّل الأبناء، من تلامذة وطلبة جامعيّين، إلى التعلُّم عن بُعد من داخل المنازل.
وعليه، لا بدّ أن تكون الأزمةُ المتولّدة عن جائحة كورونا فرصةً لإعادة التفكير الجدّى فى تصويب ما يشوب النُّظم الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة العربيّة من مَواطن ضعف واختلالات أسهمت إلى حدّ كبير فى تعميق آثار الجائحة بعامّة، ولاسيّما لجهة تعميق اللّاعدالة والمُساواة الاجتماعيّة والجندريّة على حدّ سواء. على أن يستدعى ذلك بذْل الجهود لبلْورة رؤية مستقبليّة تتضمَّن إصلاحا شاملا وتَلحظ إعادة صياغة الأُطر القانونيّة والتشريعيّة والمؤسّسيّة النّاظِمة للحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وتدعيم مفهوم المُواطنة ببُعده العميق، بغضّ النظر عن الجنس أو العرق أو الطبقة أو الدين.
النص الأصلى:

التعليقات