يحتاج الإنسان فى بعض الأحيان حينما يحاول فهم واقع معقد مثل الوضع فى مصر الآن أن يعود لبعض أحداث التاريخ المشابهة، لاسيما إذا كانت فى الظروف والبيئة والأشخاص، ليستعين بها على فهم الواقع وتوقع مآلاته، وقد وجدت فى الإنقلاب العسكرى الذى قاده رئيس أركان الجيش التركى الأسبق الجنرال كنعان إيفرين فى 12 سبتمبر 1980 ظروفا مشابهة للانقلاب الذى قاده الجنرال عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع المصرى فى 3 يوليو 2013، فتركيا كانت تعيش انقساما سياسيا كبيرا بعد الانتخابات البرلمانية التى جرت فى شهر مايو عام 1977.
وانقسمت الأحزاب الصغيرة بين حزبى الشعب الذى كان يقوده بولنت أجاويد والعدالة الذى كان يقوده سليمان ديمريل والذى تمكن بعد انتخابات ديسمبر 1979 من تشكيل الحكومة مما دفع أجاويد إلى التآمر مع العسكر لقلب نظام الحكم بعدما رفض النتيجة التى جاءت بها الصناديق، وبالفعل قام كنعان إيفرين بانقلابه الدموى مدعوما بحزب الشعب، وألغى بعده الأحزاب وعطل الدستور وأصدر دستورا جديدا فى 12 سبتمبر 1982 منح بموجبه رئيس الجمهورية سلطات واسعة تمهيدا لترشيح نفسه ونص على حظر الأحزاب الدينية والفاشية والاشتراكية، كما حظر محاكمة الانقلابيين ثم رشح نفسه بالفعل وأصبح رئيسا للجمهورية التركية فى الفترة من 9 نوفمبر 1982 وحتى 9 نوفمبر 1989، وظن الرجل الذى ولد فى 17 يوليو 1917 أى أن عمره الآن 96 عاما أن الجرائم التى ارتكبها بعد الانقلاب لن يحاسب عليها أو النص الدستورى الذى وضعه والذى يحظر محاكمة الانقلابيين سوف يمنحه الحصانة ويمنع محاكمته.
لكن الأيام دارت وبعد أكثر من ثلاثين عاما من الانقلاب تغير كل شىء وسقطت الحصانة التى منحها لنفسه وفتح ملف الانقلاب وحول إيفرين للمحاكمة هو ومن بقى على قيد الحياة من جنرالاته، وقد سعيت لأحصاء التهم التى وجهت للجنرال إيفرين والجرائم التى ارتكبتها فوجدت وكالة جيهان التركية للأنباء نشرت تقريرا فى 14 سبتمبر 2010 يحوى ملخصا عن الجرائم التى ارتكبها الجنرال كنعان إيفرين بحق الشعب التركى بعد القيام بانقلابه نقلا عن كتاب ألفه الصحفى التركى «أوغوز جوفن» كان من أهمها
1ـ اعتقال 650 ألف شخص تعرضوا لشتى صنوف التعذيب.
2ـ قيد مليون و683 ألف شخص فى سجلات الأمن،
3ـ حوكم 230 ألف شخص فى 210 آلاف قضية سياسية.
4ـ حكم بالإعدام على 300 شخص نفذ الحكم فى 50 منهم.
5ـ قتل 171 شخصا تحت التعذيب، وتوفى 144 فى السجون ومات 14 بعد الأضراب عن الطعام وانتحر 43 شخصا فى السجون وقتل 16 خلال محاولاتهم الهروب بينما لايزال الآلاف فى عداد المفقودين.
6ـ فر ثلاثون ألف شخص من المعارضين السياسيين من خيرة العلماء والمفكرين وطلبوا اللجوء السياسى خارج تركيا، كما نفى 14 ألفا من المعارضين خارج البلاد.
7ـ أقيل 3654 مدرسا و120 أستاذا جامعيا و47 قاضيا من وظائفهم بسبب معارضتهم السياسية للعسكر.
8ـ اعتقل مئات الصحفيين، وطلبت عقوبة السجن لمدة أربعة آلاف عام لـ400 صحفى صدرت أحكام بحق 31 منهم ومنع الصحفيون من النشر 300 يوم وتم ملاحقة الصحف وإغلاقها وحرق أعداد منها بعد صدورها، هذا ما حدث فى تركيا والذى نفذ بعضه الفريق السيسى بعد انقلابه فى مصر ومازالت البقية فى الطريق بعد التفويض الذى طلبه.
كنعان إيفرين وجنرالاته يحاكمون بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على جرائمهم وهناك أكثر من ستين جنرالا فى سجون تركيا الآن كان الواحد منهم يمشى مختالا فخورا لا يرى إلى النجوم على كتفيه وكأنها أنزلت من السماء، ولا أعتقد أن جنرالات الانقلاب فى مصر ستكون مآلاتهم بعيدة عن مآلات جنرالات تركيا أمام إرادة الشعب المصرى لاسيما بعد بحور الدماء التى سالت والمجازر التى ارتكبت ومازالت، حتى لو بعد حين.