الحياة داخل النيش - غادة عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 12:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحياة داخل النيش

نشر فى : الخميس 28 أكتوبر 2010 - 10:37 ص | آخر تحديث : الخميس 28 أكتوبر 2010 - 10:37 ص

 من غير النيش.. ما يلزمنيش، صرخت أم الفتاة الريفية الجميلة فى وجه أبيها وهى تحمل فوق رأسها صفا من الصناديق الورقية التى تحوى العديد من الأدوات المنزلية تكفى لتجهيز فندق سعة 20 فردا، كان الأب قبلها بثوان يحاول إقناع زوجته: خلاص بأه يا أم ريها.. (ريهام يعنى).. الواد دفع دم قلبه وبقى أنضف من طقم الصينى أبو 1100 جنيه اللى حكمتى رأسك وألف صرمة لانجيبهولك..

لازمته إيه بأه نيش وما نيششى، تلتفت أم «ريها..» (ريهام يعنى).. لزوجها صارخة بعزم مافيها: إحنا مالناش صالح بكل ده.. النيش كوم والجوازة كلها كوم تانى، من غير النيش الموضوع ده كله مايلزمنيش. وهكذا تتضح لنا أهمية النيش فى تقرير مصير الجيل القادم من أفراد الشعب المصرى، والنيش لمن لا يعرفه (لو متجوز أكيد تعرفه وبتبصله بحقد طول النهار لو لسه ع البر قلبى عندك هتعرفه قريب قوى يا عينى ربنا يقويك) هو نسخة مصغرة من متحف الأوانى الزجاجية والخزفية القائم بميدان باب الخلق، فهذا الصندوق الخشبى الغبى من المعروف على الصعيد الإقليمى أنه يحتوى على النسخة غالية الثمن من أطقم الكاسات والأكواب إلى يشتريها أى عروسين إلا أنها أشياء مش للاستعمال وإنما من أجل أن «تتفشخر» عروس الربيع بها أمام زوارها فى أول أسبوع جواز وبعدين خلاص، ولا له أى لازمة فى الحياة وهو شىء آخر من الأشياء غير المنطقية فى حياتنا اللى بنعملها بس تطبيقا للقاعدة الشهيرة «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».

فى سفرياتى القصيرة لأوروبا وأمريكا والدول المتقدمة هالنى الفرق بين تعاملهم مع الأزمة الاقتصادية العالمية الطارئة وتعاملنا مع الأزمة الاقتصادية التى نعيش فى كنفها منذ آلاف السنين، هم كل فرد فيهم حاسس بالمشكلة، و إحنا حاسين بالمشكلة برضه بس بنستهبل ورافعين شعار «أقرع ونزهى» ما تفهمش ليه؟، فى هولندا شفت مهرجان لتبادل الملابس المستعملة، رواده مش أسر فقيرة، رواده ناس دخلهم الشهرى أضعاف أضعافنا، لكن المنطق بيقول إن دى أوقات صعبة وماحدش عارف الجاى إيه، يبقى ليه ما نعملش حسابنا من دلوقت؟، فى النمسا إتعزمت على العشا فى بيت أستاذة جامعية، شقتها ما تزيدش بأى حال من الأحوال عن 70 مترا، خصصت جزء منها وعملته جنينة، ولما حكتلها عن شققنا وكراكيبها وقانون المدهب والصينى والقايمة والنيش، فضلت طول الليلة مش مستوعبة إحنا ليه بنحمل نفسنا فوق طاقتها بالشكل ده؟

فى أمريكا شفت 3 حفلات زفاف عملها أصحابها فى متنزه عام ، يادوب تمن تأجير فستان العروسة وبدلة العريس وبوكيه الورد وشكرا، الناس العاقلة ماتضيعش فلوسها ع الفاضى.

يخيل إلى أحيانا أننا شعب مرفه رغم كل ما نعيشه من أزمات إلا أننا مصرون على التعامل معها بأسلوب طفولى يثير الدهشة، نصر على عادات وتقاليد بالية وطريقة حياة أثبتت فشلها فقط لأننا نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، مكسلين حتى نفكر تفكيرا جديدا مناسبا للوضع اللى إحنا وصلنا ليه، ونعيش مصرين على طقم الصينى وعلى النيش وعلى مليون حاجة مالهاش لازمة وكأن لا فيه مشكلة اقتصادية ولا فيه أزمة زواج ولا فيه مليون أزمة تانية
يتوجب علينا إننا نشوفلها حلول أو على الأقل نحاول نعيش تحت ظلها بشكل عقلانى أكتر من كده...

ساعات كتير باسأل نفسى ليه معظمنا بيمشى ورا القطيع ؟ ليه بندى أجازة للعقل والمنطق وإحنا بنتعامل مع أزمة طاحنة زى الأزمة اللى إحنا عايشين فيها دلوقت ؟ لكن يبدو أن العقل والمنطق حاليا أشياء برضه موجودة جوه النيش، ليست للاستعمال وإنما للفرجة فقط.

التعليقات