الانتخابات الرئاسية.. ومؤشرات جودة المناخ السياسي - إيريني سعيد - بوابة الشروق
الجمعة 29 نوفمبر 2024 2:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات الرئاسية.. ومؤشرات جودة المناخ السياسي

نشر فى : الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 5:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 6:44 م

تحكم المناخ السياسى بأى بلد عدة من المؤشرات والدلالات، أبرزها الديمقراطية ومعاييرها من حيث مدى توفر معاييرها والأخذ بها فى العمل وتطبيقها في كافة جوانب الحياة السياسية، ولعل إجراء الاستحقاق الدستورى الأهم ألا وهو الانتخابات الرئاسية والمشاركة السياسية بها، يأتى فى مقدمة هذه المعايير، إلى جانب المعايير الأخرى المتعارف عليها، وأهمها:

_ سيادة الدستور والقانون: الجميع متساوون أمام القانون، لا فرق بين الحاكم والمحكومين، السلطة القضائية مستقلة وغير مسيسة، لا يجوز عزل القضاة، ثمة نوع من الفصل بين عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، بما يقتضى خلق حالة من التوازن بين السلطات الثلاث، مشروعات القوانين تمت صياغتها بالأساس، بما يضمن حقوق الفرد ومعرفة واجباته، سيادة الحريات العامة بما يكفل حرية الأفراد والرأى، حرية الصحافة والإعلام.

_ المشاركة السياسية: دائما ما تقتضى النظم الديمقراطية المشاركة السياسية بمختلف أبعادها، ولأنها تتطلب أيضا نظم الانتخاب والاقتراع للحكام، بالتالى تقتضى وجوب المشاركة السياسية من قبل الأفراد والناخبين، أيضا المشاركة السياسية من جانب ممارسى العمل السياسي، وهو ما يستدعى بدوره أيضا التعددية السياسية، بما يشمل تعدد القوى والأحزاب، وجميعها تنعكس بالإيجاب على سير العملية الديمقراطية ومفرداتها، من حيث السعى إلى نشر الثقافة السياسية، مع إفراز كوادر شبابية سياسية قادرة على التواصل مع القيادات، ومن ثم تشكيل حلقة وصل بين الأفراد وصناع القرار، وهو ما يتيح إمكانية السعى من أجل الوصول إلى الحكم، ومن ثم سيادة ما يعرف بالتداول السلمى للسلطة.

_ التداول السلمى للسلطة: الانتقال وعدم تركز السلطة على مستويين:
المستوى الأول: فى عدم احتكار السلطة من قبل مؤسسة بعينها، بل يجرى توزيع السلطات والمسئوليات فيما بين المؤسسات، على نحو قد يتضمن التعاون أو الفصل بين المؤسسات، وحسبما ينص القانون.
المستوى الثانى: ويتعلق بتجنب استمرار السلطة الحاكمة فى الحكم، حتى لو توفرت مشروعيتها، أو تمتعت برضا المحكومين، ذلك من أجل إتاحة فرصة الحكم للأحزاب والتحالفات الأخرى، ومن ثم معاصرة أنظمة حكم مختلفة وقادرة على إضفاء حياة سياسية وخبرات كفيلة بتحقيق النهضة والتقدم.

_ الشرعية السياسية للنظام: أبرز أسس أى نظام ديمقراطى، والذى يجب وأن يتمتع بالتواجد القانونى، مع أن تحكم القوانين سلطته وسيادته، وتختلف الشرعية التى تحددها الدساتير، عن المشروعية والتى يحكمها القبول الشعبى والجماهيرى من قبل المحكومين، والتى قد تعتمد أيضا على الكاريزما الخاصة بالحاكم، أو خطابه، أو خلفيته وأيديلوجيته، وسيما لو نابعة من واعز دينى أو روحى.

_ انتهاج الآليات السلمية: فيما يخص تثبيت دعائم الحكم، والإبقاء على ما يعرف بالاستقرار السياسي، مع الابتعاد التام عن وسائل العنف أو أساليب القمع أو حتى إرغام المحكومين على تبنى اتجاه بعينه أو عقيدة بعينها، والأهم تقاسم السلطة بين السلطات والهيئات الحاكمة، مع إتاحة العمل السياسي والمشاركة الشعبية بالإضافة إلى التعددية الحزبية، وسيادة مفاهيم المشاركة والمواطنة.

• • •

غير أن آلية إجراء الانتخابات وما تتطلبه من حراك سياسي من قبل كافة أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية، تعد أيضا دليلا واضحا ضمن دلالات جودة الحياة السياسية، وبالطبع؛ إذا ما أجريت هذه الانتخابات فى إطار المؤشرات أعلاه، وعلى نحو يضمن نزاهتها مع بروز عوامل الشفافية فى كافة الإجراءات مع النتائج والأرقام وغيرها، وتأتى المشاركة السياسية تحديدا من قبل المواطنين والمواطنات لتمثل جوهر هذه العملية الانتخابية، كونها لا تفهم بمعزل عن كيفية التأثير على صانع القرارات الاستراتيجية ومتخذها، سيما فيما يبرز فى عمليات التصويت واختيار المرشح المستهدف، وعقب الاطلاع على برنامجه، قناعاته، توجهاته، والأهم أهدافه وخلفياته السياسية.

بالمقابل فإن هذه المشاركة السياسية من قبل مختلف الفئات، لا بد وأن تدعم عملية انطلاقها مساعى جادة تستهدف التثقيف الجاد لهؤلاء المشاركين السياسيين، وهنا وجب التفرقة ما بين الممتهن للعملية السياسية وما بين الممارس لها أيضا، فبينما يكون الممتهن ضمن الدارسين للسياسة والعاملين بها، كأن يتصدر الفرد مثلا منصبا سياديا بإحدى السلطات أو الأجهزة المعنية بالشئون السياسية وعلومها، يمكن لكافة أفراد المجتمع أن يكونوا ضمن الممارسين، كون الممارسة السياسية حقا يخوله الدستور للجميع، ويلزم التمتع به توافر مجموعة من الشروط فى مقدمتها عاملى السن والجنسية، والأهم عوامل الانتماء والولاء الوطنى، وهنا وبالإشارة إلى مهمة الأحزاب الملحة فى إعداد هؤلاء السياسيين، فلا بد من مراعاة عاملى الولاء والانتماء، فقد يخرج علينا كوادر سياسية على أعلى مستويات التأهيل والقيادة، لكن ماذا عن انتماءات هؤلاء، وتوجهاتهم؟ بالتالى يصعب القبول بالممارسة السياسية الحقيقية وما تتطلبه من تأهيل سياسي، إن تشكلت بمعزل عن الانتماء السياسي الحقيقي للبلاد.

ويمكن الارتكان إلى بعض الإجراءات السياسية المهمة والتى برزت جيدا، خلال الاستعدادات للانتخابات الرئاسية القادمة وربما من قبلها، تلك الإجراءات والتى يعول عليها فى حفظ المناخ السياسي للبلاد، عند حد يذكر من الجودة السياسية، وأهمها:

_ تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات واعتبارها هيئة مستقلة، وبموجب مادة 208 "الهيئة الوطنية للانتخابات هيئة مستقلة، تختص دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، بدءًا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابى، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين فى الخارج، وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون".

_ فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، لكل من تتوافر فيه الشروط، ومن ثم يتسابق أربعة مرشحين على الانتخابات، ومعظمهم من خلفيات حزبية وسياسية، وهو ما يسهم فى حالة صحية من الحراك السياسي، سيما مع بروز برامج المرشحين وقناعاتهم أيضا وتوجهاتهم، ومن ثم تحمل الناخب مسئولية الانتقاء والاختيار من بينهم، وفى ضوء قناعاته ومطالبه.

_ حيادية الإعلام فى إفساح المجال أمام كافة المرشحين، للإعلان عن برامجهم ومن ثم تساوى الفرص بين المرشحين، أيضا حجم الدعاية المقرر إنفاقه، والذى قدر بـ20 مليون جنيه لكل مرشح، على ألا يتجاوز 5 ملايين حال الإعادة.

_ الإشراف القضائى الكامل، قاض لكل صندوق، وهو ما يعزز بديهيا ثقة الناخبين فى نزاهة العملية الانتخابية، أيضا القبول بمشاركة منظمات المجتمع المدنى، خصوصا الدولية للمراقبة والإشراف، مع السماح لأكثر من 100 جهة إعلامية ومؤسسة صحفية بالتغطية وعقب الحصول على التراخيص المطلوبة

 

إيريني سعيد كاتبة صحفية وباحثة أكاديمية فى العلوم السياسية
التعليقات