حوار مع فتحى غانم - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 أبريل 2025 4:15 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حوار مع فتحى غانم

نشر فى : السبت 29 مارس 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : السبت 29 مارس 2025 - 6:50 م

فى مسيرتى المهنية كصحفى، أعتز بكتابات قليلة، منها حوار طويل مع الروائى والصحفى الكبير فتحى غانم، نشر فى مجلة «اليوم السابع»، وهى مجلة فلسطينية كانت تصدر وقتها فى «باريس»، بتاريخ 31 يوليو من العام 1989.
أحببت شخصية الرجل بعد الحوار مثل حبى لرواياته، وكنت، وما زلتُ، أراه من كتّاب الطبقة الأولى فى الرواية المصرية، وأنه مختلف عن كتاب صحفيين أصدروا روايات فكانت أقرب إلى معالجات قصصية عابرة، فيها الكثير من الصنعة والسطحية.
بينما ظل غانم روائيا كبيرا، يبنى شخصياته، ومعمار رواياته، بخبرة وعمق، وبرؤية ناضجة، يمتزج فيها السياسى بالاجتماعى بالإنسانى. وما زالت شخصيات رواياته، كما فى «زينب والعرش» و«الرجل الذى فقد ظله» بالذات، من أفضل ما قدمت الرواية المصرية والعربية عن عالم الصحافة، ومن أفضل نماذج رسم الشخصيات فى مجال الرواية. أما قصة الحوار، فتستحق أن تروى.
كان غانم مقلًا فى إجراء الحوارات، ولكنى كنت أراه فى مصعد مؤسسة «روز اليوسف»، أثناء زياراتى المتكررة لمجموعة من الأصدقاء الأعزاء؛ مثل: عبد الله كمال، وإبراهيم عيسى، وحمدى رزق، ووائل الإبراشى، وعمرو خفاجى، وأسامة سلامة، وكلهم من نجوم المؤسسة العريقة ومطبوعاتها فى ذلك الوقت.
تصادف أن نُشرت رواية جديدة لفتحى غانم فى مجلة «روز اليوسف» بعنوان «أحمد وداود»، تدور وقائعها فى فلسطين، فانتهزتُ الفرصة واقترحت على الأستاذ حسين شعلان، الصحفى بجريدة «الأهرام»، ومسئول مكتب القاهرة فى المجلة الباريسية، أن أجرى حوارًا مع غانم حول تلك الرواية المتفردة بين أعماله. كان يرأس تحرير«اليوم السابع» هانى الحسن، ويرأس القسم الثقافى فيها الصحفى اللبنانى المعروف بيار أبو صعب.
تحمس الجميع للفكرة، ولكنى توجستُ خيفة من رفض غانم متأثرًا بما أعرفه عن قلة حواراته، وتحفظه الإنسانى الذى سمعت عنه كثيرًا. لدهشتى وافق بحماس كبير، ربما لأن المجلة فلسطينية، ولأن روايته أبطالها من الفلسطينيين. وكم أسعدنى كثيرًا أن أكتشف خلال الحوار ملامح فتحى غانم الإنسان.
ليس صحيحًا أنه شخص جاف، على العكس كان الرجل دافئا وحميما، ولكنه خجول بشكل واضح، لا يرد سريعا على السؤال، يفكر بعمق، ثم يجيب دون أن يتلجلج أو يضطرب، شخص لديه رؤية حاضرة، وكلما أعجبته الأسئلة، انطلق بلا تحفظ.
أهمية الحوار اليوم فى دلالته على ثقافة وعمق فهم فتحى غانم لفن الرواية: متطلباته، وأدواته، كمادة من الواقع، وكإضافات من الخيال، وهو ما انعكس بالطبع على إنجازه الروائى كما فى «الرجل الذى فقد ظله»، و«الجبل»، و«الأفيال»، و«زينب والعرش».
قد لا تكون رواية «أحمد وداود» من أعماله المهمة، ولكنها تجربة لها خصوصيتها، حيث كتبت أولا كمعالجة سينمائية لفيلم لم ينفذ، كما أن حديثى معه كان مدخلا لاكتشاف أفكار فتحى غانم عموما عن فن الرواية كمعادل مستقل للحياة، وعن الصحافة وعلاقتها بالأدب.
قال غانم فى الحوار: «منذ 1950 وأنا أكتب مجموعات قصصية قصيرة، قال عنها النقاد إنها بداية ثورة أدبية فى القصة، إذ استخدمتُ فيها أساليب جديدة؛ مثل تعدد وجهات النظر، وتيار الوعى، والمونولوج الداخلى. كان لى إذن أسلوبى الأدبى السابق على الاشتغال بالصحافة، بل إننى عندما عملت بالصحافة قيل لى إن أسلوبى أكثر رصانة مما تطلبه الكتابة الصحفية، ولذلك جعلتنى الصحافة أتخلص من التشبيهات والأساليب البلاغية التى تؤدى إلى الترهل فى المعانى، والنموذج المهم الذى أذكره هنا للتوفيق بين الأسلوب الصحفى، والأسلوب الأدبى، هو الأديب الأمريكى أرنست هيمنجواى، فقد كان مراسلا حربيا يغطى الحرب اليونانية التركية، فنصحه الناقد إزرا باوند بكتابة الرواية، لأن أسلوبه ملىء بالصراع، وهو عماد الرواية، ولذلك استطاع هيمنجواى أن يكتب بلغة صحفية بسيطة، حتى يصل إلى قرائه، وهى فى نفس الوقت لغة أدبية راقية ومعبرة، وأفضل مثال على نجاحه فى هذه التجربة هو روايته «العجوز والبحر».
وقال أيضا: «أعتبر دوستويفسكى أستاذى بالفعل فى كتابة الرواية، وبعد فترة التوقف عن الكتابة من 1967 إلى 1973، أخبرتُ توفيق الحكيم أننى سأكتب رواية بعنوان «زينب والعرش» على سجيتى، حتى وصلت إلى ألف صفحة مثلما كان يفعل دوستويفسكى، فقد كنت أريد كتابة رواية على نمط روايات القرن التاسع عشر، وأعترف أننى كتبت «زينب والعرش» وفى ذهنى دوستويفسكى، وما كان يفعله، ويمكنك أن تلاحظ تأثيره مثلا فى التشابه الواضح بين طريقة العرض فى «زينب والعرش» و«الإخوة كرامازوف».
أكد لى غانم أيضا أنه لا يحب استخدام الرمز فى رواياته، وأدهشه كثيرًا تأويل شخصية زينب فى رواية «زينب والعرش» باعتبارها رمزا لمصر، ونفى تمامًا أنه قصد ذلك.
قال إنه كتب شخصياته الشهيرة فى نفس الرواية، دون أن يقصد شخصًا بعينه، وأضاف: «هذه الشخصيات موجودة فى المجتمع المصرى، ولكن ليس بكل حذافيرها أو تصرفاتها، فمثلا لو طبّقت وقائع حياة عبد الهادى النجار على وقائع حياة مصطفى أمين كما قيل مثلا - ستجد أنها مختلفة تماما، والطريف أننى سمعت أن مصطفى أمين نفسه قد قال: «أنا عبد الهادى النجار»، وقد قال البعض الآخر إننى أقصد هيكل، لأننى أتحدث عن أكبر صحفى فى مصر فى تلك الفترة، والواقع أننى لا يعنينى هيكل أو مصطفى أمين بالذات، ولكن الذى يعنينى هو رصد الآليات الموجودة، أى أريد أن أقول إنه فى وجود هذه الظروف، وهذه السلطة، تنشأ علاقة من نوع معين بين السلطة وبين الجهاز الإعلامى والصحفى، أريد أيضًا أن أشرح كيف ينجح الإنسان فى الوصول إلى قمة الهرم الصحفى، وكيف تكون علاقته مع السلطة، هل هى علاقة قائمة على مبادئ أم هى مغامرة انتهازية؟».
رحم الله فتحى غانم، الذى أتمنى أن تعاد قراءته من جديد، بما يستحق من الدراسة والاهتمام، فهو ليس أبدًا من الكتاب العابرين.

 

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات