هل توجد فى مصر أحزاب سياسية، بالقطع وفق القانون والمسميات الإجرائية والواقع الشكلى هناك عشرات الأحزاب، لكن أى أحزاب وأى مسئولية تتحملها، تلك قضية أخرى.
جزء من مهمة ودور الأحزاب السياسية أن تبنى النظام السياسى باعتباره أهم ركائزه على الإطلاق، وأن تبنى التوافق الذى يقود العملية السياسية كلها فى مراحل الانتقال، وأهمها وضع معايير التنافس بشكل يضمن المساواة وتكافؤ الفرص بين كل اللاعبين.
والدستور هو أهم قواعد اللعبة، هو أساس ما قبل التنافس، لكن الأحزاب والتيارات السياسية جعلته جزءا من التنافس ذاته، فانتهى الأمر إلى أن خضعت العملية كلها للاستقطابات الأيديولوجية، والمكايدات السياسية.
فشلت الأحزاب طوال أسابيع منذ عقد الاجتماع المشترك لغرفتى البرلمان لوضع معايير انتخاب أعضاء لجنة الدستور وانتخابهم، فى العبور باللجنة إلى منطقة النفاذ، لأن المسألة كما قلت لك أديرت بمكايدات سياسية ولم تدر بمسئولية وطنية، استخدم الإخوان الأغلبية بفجاجة، واستخدمت الأقلية المخاوف المشروعة من احتكار الدستور باعتباره القانون الأساسى للعبة، وذهبت تلك الأحزاب فى سجالات واتهامات ومحاولات للتوافق لم تنته إلى شىء حتى أدلى المشير بدلوه.
أمس الأول فقط تم حسم مسألة معايير الدستور، وربما توقيت الانتهاء من الدستور نفسه، لكن ذلك ليس نجاحا للأحزاب ولا توافقا منها، لكنها فى النهاية إرادة المشير التى أنفذها على الأحزاب التى التقاها مرتين، فى الأولى تحدث بحدة وقيل إنه طرق الطاولة بقبضته بعنف مهددا الجميع: «اذهبوا وعودوا بتوافق وإلا» وفى الثانية كاد الاجتماع يفشل لولا أنه قالها بوضوح: «لن نغادر ولن نسلم أى شىء لرئيس منتخب دون أن يكون الدستور الذى سيقسم عليه معدا».. قالها المشير بطريقته إنه لا يطمئن لترك البلاد دون توازن يبنيه ويرعاه الدستور، وفى الحالتين كان الرجل يتصرف بحسم ناجز.
لكن الدرس الواضح من ذلك إذا كانت الأحزاب لا تستطيع أن تعمل معا إلا فى حالة وجود خطر مشترك أو تهديد أو ضغط مباشر من «كبير» يملك القوة اللازمة والحسم الكامل لفرض إرادته، فكيف ستفعل عندما يغادر المجلس العسكرى إلى ثكناته، هل ستستمر على هذا الأداء الذى يغلب المصالح الحزبية الضيقة على المصالح الوطنية التى تمثل الجميع، وعندما يحدث الخلاف والانقسام من سيتدخل فى النهاية لفرض إرادته، ربما تقول إن الدستور والقانون سيكونان حاكمين، لكن هل تعتقد أن أحدا يحترم الآن الدستور والقانون، التظاهرات فى كل مكان ضد لجنة رئاسة مشكلة وفق استفتاء شعبى، ومواد تستخدمها هى جزء من الموافقة الشعبية أيضا، ومعايير قانونية مستقرة ورضا بها الجميع أو ألزموا قانونيا ودستوريا بها قبل بدء اللعب.
على الأحزاب أن تستوعب الدرس جيدا وفى مقدمتها الأغلبية الجديدة، وأن تدرك أن إصرارها على النظر تحت قدميها وفقط لن ينتهى بنا إلا إلى فتح مزيد من النوافذ لعودة المغادرين إلى الثكنات فى أى وقت، وبمبررات ستكون وقتها وجيهة ومبررة وفيها دوافع وطنية لإنقاذ البلاد، ليظل بعدها المشير حاليا ومستقبلا هو وحده الذى يملك القدرة على الحسم وإلزام الفرقاء على تحمل المسئولية كفريق واحد.