مع تزايد ظهور دلائل على أن جماعة الإخوان المسلمين ستلعب دورا سياسيا مهما فى الحياة السياسية المصرية الجديدة بعد ثورة 25 يناير، تظهر مؤشرات متكررة على ارتباك دوائر صنع القرار فى واشنطن فى التعامل مع ما تراه «معضلة الإخوان المسلمين».
إلا أن الارتباك لا يقتصر على واشنطن، فهناك كما يبدو ارتباك آخر داخل جماعة الإخوان فى رؤيتها الواقعية لمستقبل علاقاتها، كجماعة وكحزب سياسى، وكقوة ستشارك فى حكم مصر، مع أحد أهم القوى الدولية، إن لم تكن أقواها على الإطلاق، على الأقل فى الوقت الحالى.
وجاء ترحيب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون بمشاركة الإخوان المسلمين فى الحياة السياسية الجديدة فى مصر، إذ ذكرت كلينتون أن «أى حزب يلتزم بنبذ العنف ويلتزم بالديمقراطية ويلتزم بحقوق كل المصريين أيا ما كان يجب أن تكون لديه الفرصة للمنافسة على أصوات المصريين»، ليمثل خطوة مهمة على طريق تصور حدوث حوار مستقبلى بين الطرفين. إلا أن أصوات المعارضة فى الكونجرس ترتفع كل يوم فى معارضة قوية لمثل هذا النهج.
وقالت النائبة الجمهور
ية كاى جرانجر والنائبة الديمقراطية نيتا لوى، وهما من كبار قيادات لجنة المخصصات المالية فى مجلس النواب، إنهما لن يوافقا على منح الـ2 مليار المساعدات، التى أعلن عنها الرئيس باراك أوباما لمصر فى خطابه يوم 19 مايو، فى حالة وجود الإخوان كجزء من حكومة فى مصر. كما يدعو السيناتور الجمهورى من ولاية الينوى مارك كيرك بضرورة أن تقوم واشنطن بما فى وسعها من أجل منع جماعة الإخوان المسلمين من الوصول لحكم مصر، وضرورة أن يصرح أوباما بلغة واضحة ومباشرة بأن الولايات المتحدة تعارض وصول الإخوان للحكم فى مصر.
ويساعد على وجود آراء معارضة لحوار أمريكى إخوانى حملة تخويف شبه منظمة ضد جماعة الإخوان. وتقود محطة فوكس الإخبارية ــ وهى المعروفة بتبنيها لمواقف متوافقة مع اللوبى اليهودى فيما يخص قضايا الشرق الأوسط ــ هذه الجهود عن طريق تكرار استضافة رموز سياسية يمينية مثل بيل كريستول، ونيوت جينجريتش، ممن يطلقون عنان أفكارهم لعرض طرق مختلفة للتخويف من الإخوان المسلمين على المصالح الأمريكية وعلى أمن إسرائيل.
كما يتم ربط الإخوان المسلمين بجماعات الإرهابية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة، خصوصا عند الإشارة إلى الدكتور أيمن الظواهرى، زعيم القاعدة كأحد أبناء جماعة الإخوان المسلمين.
أما معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فقد اكتفى بجمع وعرض مقولات مختارة بعناية لكبار قادة الإخوان المسلمين فى دراسة عنوانها (The Muslim Brotherhood :on the record «الإخوان المسلمين: على لسانهم) ذكر فيها تاريخ ومصدر كل تصريح صدر من كل قادة الإخوان بخصوص الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال ترصد الدراسة ما قاله المرشد الحالى الدكتور محمد بديع يوم 30 سبتمبر 2010 لموقع الإخوان الإلكترونى: «لقد سقط الاتحاد السوفييتى بصورة دراماتيكية، إلا أن القوى التى ستدفع لانهيار الولايات المتحدة أكثر قوة من تلك التى دفعت لسقوط الاتحاد السوفييتى. وإن الأمم التى لا تقدر الأخلاق ولا القيم الإنسانية لا يجب أن تقود البشرية!».
ويجىء خوف بعض السياسيين الأمريكيين موضوعيا إذ يتمثل فى خوف من أن ترسى الجماعة نظاما إسلاميا لن يكون أكثر ديمقراطية من نظام مبارك، ويمكن أن يؤثر سلبا على العلاقات الوثيقة بين مصر والولايات المتحدة، خصوصا فى مجالات التعاون الأمنى والعسكرى والاستخباراتى.
كما لا يغيب عن ذهن واشنطن قلق كبير فى رؤية الإخوان لمستقبل علاقات مصر مع إسرائيل، وهل ستعترف الجماعة بإسرائيل. ويشتكى بعض الخبراء الأمريكيين من أن طبيعة سرية عمل جماعة الإخوان المسلمين جعلتهم غير معروفين لصانعى السياسة فى واشنطن، وجعلت من المستحيل الثقة بهم، أو تصديق ما يقولون.
وللآن لم تشهد أى من زيارات العديد من المسئولين الأمريكيين الكبار مؤخرا للقاهرة أى اجتماعات علنية بينهم وبين قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
وتوجد رغبة إخوانية فى الاجتماع والتحاور مع مسئولين أمريكيين حتى من قبل ثورة 25 يناير. وتؤكد وثيقة ويكيليكس رقم (07CAIRO2165) غضب الجماعة من عدم دعوة أعضائها البرلمانيين عام 2007 إلى المشاركة فى لقاء عضوة الكونجرس بيتى ماكولوم أثناء زيارتها لمصر، وهو ما لفت انتباه السفارة الأمريكية التى وصفت موقف الإخوان على أنه «تطور لافت منهم تجاه السياسيين الأمريكيين، وهم لا ينوون فقط الاجتماع معنا، بل إنهم أصبحوا يشتكون من عدم منحهم هذه الفرصة أيضا».
فى أواخر عام 2007 قدم الأكاديمى الأمريكى مارك لينش عدة نصائح للإخوان، ونشرها فى شكل رسالة موجهة للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك، السيد مهدى عاكف، ونشرتها دورية فورين بوليسى الشهيرة فى عدد شهرى سبتمبر ــ أكتوبر. وجاءت هذه النصائح الأمريكية فى وقت لم يمتلك فيه الإخوان المسلمون من أمرهم شيئا سوى الصمود فى وجه ضربات أمنية منتظمة استهدفت موارد الجماعة المالية والفكرية والبشرية.
وقدم لينش أربع نصائح، أولها أن تؤكد الجماعة التزامها الواضح والصريح بالعملية الديمقراطية، وثانيها ألا تختلف تصريحات قادة الجماعة باللغة العربية مع تلك التصريحات التى تصدر باللغة الإنجليزية!، وثالثها أن تعمل الجماعة كقوة إسلام معتدل وحائط صد ضد التطرف الراديكالى والإرهاب، وأخيرا أن تتبنى الجماعة ديمقراطية داخلية حقيقية تسمح لشباب الجماعة بالتعبير بحرية عن آرائه السياسية، وأن يتم أخذها فى الحسبان.
الآن، وبعد مرور ما يقرب من أربع سنوات، ورغم تغير عالم الإخوان 2007 عن عالم الإخوان 2011، ما زالت النصائح الأمريكية مناسبة لهذه المرحلة. فحتى الآن لم تستطع الجماعة أن تعبر عن آرائها وتصوراتها بصورة واضحة حول قضايا كثيرة مهمة، وقد يكون هذا مفهوما ومبررا خلال حكم النظام السابق. إلا أن استمرار الإخوان فى عدم الكشف بشفافية ووضوح عن مواقفهم الحقيقية لا يوجد له ما يبرره لا فى واشنطن، ولا فى القاهرة، وهى الأهم.