إضراب هوليوود يهدد هيمنة صناعة الترفيه الأمريكية - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إضراب هوليوود يهدد هيمنة صناعة الترفيه الأمريكية

نشر فى : السبت 29 يوليه 2023 - 8:25 م | آخر تحديث : السبت 29 يوليه 2023 - 8:25 م
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة سالى عاشور، تناولت فيه الأسباب التى دفعت نقابة الكتاب الأمريكية، ونقابة فنانى وفنانات الشاشة فى هوليوود إلى تنظيم إضراب يعد الأضخم من نوعه منذ أكثر من 6 عقود، كما ذكرت الكاتبة التهديد الذى يشكله هذا الإضراب على مستقبل صناعة الأفلام الأمريكية، وإمكانية انتقال هيمنة الترفيه من أمريكا إلى دول أخرى آسيوية لاقت أفلامها شعبية عالية الفترة الأخيرة، ككوريا الجنوبية والهند... نعرض من المقال ما يلى:
تمثل صناعة الترفيه والأفلام حاليا إحدى أهم الصناعات الحديثة، حيث بلغ حجم سوقها العالمية نحو 90.9 مليار دولار أمريكى عام 2021، ومن المتوقع أن يتوسع بمعدل نمو سنوى مركب (CAGR) 7.2 % خلال الفترة من عام 2022 إلى عام 2030؛ مدفوعا بتغير نمط استهلاك الأفراد والميل إلى الإنفاق على الترفيه والتسلية. وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية مقدمة هذه الصناعة، حيث استحوذت على نحو ثلث حجم السوق العالمية فيها بقيمة 28.9 مليار دولار عام 2021، ويعزى ذلك بشكل رئيسى إلى وجود هوليوود؛ صناعة السينما الأكثر رسوخا فى العالم.
وفى هذا الإطار، تشهد هوليوود، عاصمة صناعة الترفيه والسينما على مستوى العالم، إضرابات كبرى، بدأت بإضراب نقابة الكتاب الأمريكية منذ مايو 2023، ولحق بها منذ 14 يوليو الحالى ممثلو الشاشة بالاتحاد الأمريكى لفنانى الراديو والتلفزيون؛ وهى أكبر نقابة فى هوليوود تمثل نحو 160 ألف فنان وفنانة، لتواجه بذلك إضرابا مزدوجا هو الأول من نوعه منذ أكثر من 6 عقود، بحسب وكالة «بلومبرج»، حيث كانت آخر مرة خرج فيها الكتاب والممثلون معا فى إضراب عام 1960. ويطالب المحتجون والمحتجات حاليا بتقسيم أكثر إنصافا للأرباح وتعويضات تتعلق بالبث التلفزيونى عبر الإنترنت، بالإضافة إلى ضمانات ترتبط بعدم استخدام الذكاء الاصطناعى والوجوه والأصوات التى يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر لتحل محل الممثلين والممثلات.
ومن شأن الإضراب الحالى أن يؤثر سلبا فى صناعة الترفيه والأفلام فى الولايات المتحدة والعالم، والمتأثرة بالفعل جراء أزمة فيروس «كوفيد19»، والتى كانت قد أدت إلى إغلاق المسارح ودور العرض السينمائى لفترات طويلة.
• • •
نظم عمال هوليوود إضرابات عديدة خلال القرن الماضى؛ بحثا عن ظروف عمل ومزايا وأجور أفضل. ويعد إضراب نقابة كتاب هوليوود الأمريكية عام 2007، الذى استمر لمدة 100 يوم، الأكثر تأثيرا، حيث أسفر عن خسائر تزيد عن 2 مليار دولار لصناعة هوليوود، ونحو 240 مليون دولار من الإيرادات الضريبية المفقودة لولاية كاليفورنيا، وتأثر نحو 120 ألف عامل فى صناعة الأفلام والتلفزيون بشكل مباشر أو غير مباشر، وتوقف إنتاج العديد من البرامج التلفزيونية، وتأجل عرض أفلام كبرى. كما أن هذا الإضراب أثر بشكل كبير فى إيرادات هذه الصناعة، حيث تراجعت إيرادات شباك التذاكر بمقدار مليار دولار تقريبا.
بالإضافة إلى التأثير الاقتصادى المباشر لذلك الإضراب، كان هناك أيضا عدد من التأثيرات غير المباشرة، حيث إنه أضر بسمعة هوليوود، وجعل من الصعب على الصناعة جذب مواهب جديدة، فضلا عن انخفاض عدد الأفلام والبرامج التلفزيونية المنتجة، مما أدى إلى تقليل عدد الوظائف المتاحة فى هذه الصناعة.
وسابقا، أثر إضراب نقابة كتاب هوليوود عام 1988 على عرض البرامج التلفزيونية الجديدة، ومنع إنتاج البرامج التجريبية للموسم التالى. وقدرت تكلفة هذا الإضراب، الذى دام 3 أشهر، بنحو 500 مليون دولار من الإيرادات المفقودة للصناعة، ونتج عنه فقدان أكثر من 7 آلاف وظيفة مؤقتة. وكان تأثير ذلك محسوسا حتى بعد استئناف الإنتاج، حيث لم تتعاف بعض الشبكات، مما أدى إلى حدوث عدد من الاندماجات والاستحواذات.
ويضاف إلى ذلك بعض الإضرابات الفردية الأخرى التى أثرت بشكل كبير فى اقتصاد الترفيه فى الولايات المتحدة، وفى مقدمتها إضراب نقابة ممثلى الشاشة عام 1980، الذى استمر لمدة 6 أشهر وتسبب فى خسائر تصل إلى 2 مليار دولار سنويا للصناعة فى ذلك الوقت؛ بسبب توقف الإنتاج، وإلغاء البرامج التلفزيونية، وفقدان أكثر من 27 ألف وظيفة. وكذلك إضراب عمال الديكور عام 2003 لمدة 3 أشهر، والذى أثر فى إنتاج 22 برنامجا تلفزيونيا وأكثر من 100 فيلم، وتسبب فى خسائر اقتصادية تصل إلى مئات الملايين. إلى جانب إضراب «نقابة مخرجى أمريكا» عام 2011 لمدة 3 أشهر، مما تسبب فى خسائر اقتصادية بالمليارات، حيث توقف إنتاج أفلام بميزانيات كبيرة وبرامج الشبكات الرئيسة.
• • •
وفقا لوكالة «بلومبرج»، تتوقع نقابة الكتاب الأمريكيين تكلفة الخسائر التى سوف تتكبدها صناعة الترفيه جراء الإضراب الراهن بـ30 مليون دولار يوميا. كما تشير المؤشرات إلى انخفاض عدد تصاريح تصوير الأفلام والبرامج التلفزيونية والإعلانات التجارية بنسبة 43% فى شهر يونيو الماضى عن مستواها عام 2022. وأوضحت شركة (FilmLA) التى تدير تصاريح المشاريع فى لوس أنجلوس أن عدد التصاريح انخفض بنسبة 64% فى الأسبوع الأول من شهر يوليو الحالى، ولم يتم تصوير أى مسلسل تلفزيونى مكتوب فى ذلك الأسبوع. وتشمل بعض التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن إضرابات هوليوود، ما يلى:
1ــ تعطل الإنتاج: أدى الإضراب الحالى إلى تعطل معظم الإنتاج التلفزيونى لموسم الخريف، وكذلك تعطل تصوير بعض الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة، ويمكن أن يؤدى ذلك إلى تأثير سلبى فى إيرادات صناعة الترفيه.
2ــ فقدان الوظائف: من المحتمل أن يؤدى الإضراب إلى تسريح العمال، حيث تقوم الاستوديوهات وشركات الإنتاج بتخفيض التكاليف لتحمل تداعيات هذا الإضراب. وجدير بالذكر أنه فى إضراب عام 2007، تم تسريح نحو 100 ألف عامل وعاملة.
3ــتراجع الإيرادات: يمكن أن يؤدى إلغاء أو تأجيل المشاريع الكبرى فى السينما والتلفزيون إلى خسارة كبيرة فى الإيرادات للصناعة. كما ستلحق أضرارا كبيرة باقتصاد مدينة لوس أنجلوس، الذى يعتمد فى المقام الأول وبشكل كبير على الترفيه، عبر انخفاض الإيرادات السياحية ومبيعات التجزئة، والإيرادات الضريبية المفقودة من توقف الإنتاج. كما تشير التقديرات إلى أن أجور صناعة هوليوود تشكل نحو 0.7% من اقتصاد كاليفورنيا البالغ 3 تريليونات دولار، وكانت تقديرات الخسائر المبلغ عنها خلال الإضرابات السابقة تؤكد أن الإضراب الطويل الأجل الذى يوقف الإنتاج لعدة أشهر قد يكلف اقتصاد كاليفورنيا عشرات المليارات من الدولارات.
4ــالإضرار بالسمعة: بالإضافة إلى الخسائر التى تلحق بصناعة الترفيه خلال الإضرابات، يمكن أن يتأثر الاقتصاد الأمريكى جراء تدهور سمعة هذه الصناعة، مما يجعل من الصعب عليها جذب مواهب جديدة، علاوة على الأضرار التى تلحق بثقة المستثمرين على المدى الطويل، ويمكن أن تؤدى إلى إحداث اضطرابات تستغرق أشهرا أو سنوات لتجاوزها.
• • •
من المتوقع أن تؤدى الشعبية المتزايدة للأفلام والموسيقى الصينية والكورية الجنوبية والهندية، إلى مزيد من النمو فى تلك المناطق، مع توقعات لنقل مركز صناعة الترفيه والأفلام من الولايات المتحدة، ليتجه نحو أسواق جديدة، حيث تشير التقديرات فى هذا الصدد إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تسجل أعلى معدل نمو سنوى مركب بنسبة 8.2% من عام 2022 إلى عام 2030. ويعزى هذا النمو بشكل رئيسى إلى زيادة إنفاق المستهلكين على الترفيه والتسلية.
كما تمثل التكنولوجيا الحديثة أحد أبرز المتغيرات التى سوف تؤثر فى صناعة الترفيه بشكل عام، وهوليوود بشكل خاص. فمن المتوقع أن يؤدى الذكاء الاصطناعى إلى تغير فى شكل هذه الصناعة وإتاحتها فى متناول الجميع فى أى مكان. علاوة على ذلك، يمكن للأفراد إنشاء المحتوى الخاص بهم بسهولة واكتشاف المواهب الجديدة. واتساقا مع هذا التوجه، بدأت شركات الإنتاج الكبرى فى الوجود فى الأسواق الجديدة، والبدء فى إنتاج محتوى إقليمى مناسب لهذه الأسواق. فعلى سبيل المثال، أطلقت (Disney+) ، فى فبراير 2021، علامة (Star) التجارية فى أستراليا ونيوزيلندا وأوروبا الغربية وكندا.
• • •
ختاما، يمكن القول إن التأثير الاقتصادى لإضراب هوليوود الحالى يتوقع أن يكون كبيرا، وقد يكون له تأثير دائم فى صناعة الترفيه، مما يفرض على استوديوهات هوليوود ونقابات العمل ضرورة إيجاد سبل لتخفيف تأثير الإضراب، بالإضافة إلى تطوير نظام للمفاوضات الجماعية يكون عادلا للجانبين، ويحول دون وقوع إضرابات مماثلة فى المستقبل، خصوصا فى ظل التهديد الراهن لهيمنة هوليوود على صناعة الأفلام فى العالم؛ والمتمثل فى صعود أسواق مثل الهند وكوريا الجنوبية كإحدى الواجهات الجديدة للإنتاج السينمائى، فضلا عن الانتشار الواسع لاستخدامات التكنولوجيا الحديثة.

النص الأصلى:
http://bitly.ws/PqLz
التعليقات