أول مرة سمعت اسم أحمد سيف المحامى كانت فى صيف عام 1986. فى هذا العام تخرجت من كلية الإعلام، جامعة القاهرة، وعملت مباشرة فى صحيفة صوت العرب الناصرية.
صديقى فى هذا الوقت سامى البلعوطى دعانى ذات ليلة إلى العشاء، يومها اكتشفت أن المنزل الذى يقيم فيه هو شقة أحمد سيف.
فى هذا الوقت كان سيف مسجونا على ذمة قضية شهيرة وقتها عرفت باسم «التنظيم الشيوعى المصلح»، الرجل أعطى شقته لسامى ليقيم فيها مع زوجته وأطفاله الصغار حتى ينتقل إلى شقته الخاصة فى الهرم أيضا.
إذن الانطباع الأول الذى رسخ فى ذهنى عن هذا الرجل انه وفى لأصدقائه وكريم ومعطاء.
بعدها ولفترات طويلة كان سامى دائم الحديث عن صديقه معددا لصفاته النبيلة لدرجة كنت أتصوره أقرب ما يكون إلى القديس.
والملفت للنظر أن هذا الوصف «القديس» كان لصيقا بأحمد نبيل الهلالى أستاذ أحمد سيف وأستاذ محامين ومناضلين كثيرين. وتشاء الأقدار أن أول مرة أقابل فيها أحمد سيف كانت فى مكتب نبيل الهلالى الشهير فى شارع محمد صدقى الواقع بين شارعى التحرير وهدى شعراوى بباب اللوق.
أحمد نبيل الهلالى كان ماركسيا، رغم أنه ابن باشا كبير من أسيوط هو نجيب الهلالى آخر رئيس للوزراء فى مصر قبل ثورة يوليو 1952، ولم تستمر حكومته إلا لأيام قليلة، ورغم ذلك تمرد على طبقته وانحاز للفقراء والمساكين، والأهم أنه صار مدافعا حقيقيا عن كل المعتقلين سواء كانوا ليبراليين أو إسلاميين، كان إنسانا بجد يدافع عن الجميع لأنهم بشر ينبغى التضامن معهم.
والصفة الأخيرة كانت أيضا هى الأبرز فى كل صفات أحمد سيف الإسلام الطيبة والكثيرة فى آن واحد.
ما كان يحكيه لى سامى البلعوطى بعد عن أحمد سيف اختبرته على أرض الواقع فى أكثر من موقف حقا، وحكاه لى فيما بعد أصدقاء كثيرون مشتركون.
عندما استدار الزمن وانقلبت الآيات وتلخبطت البوصلات، ظل أحمد سيف ثابتا على كل مواقفه المبدئية، كثيرون من أصدقائه فى اليسار كونوا جمعيات كان كل هدفها تلقى التمويل الأجنبى بالدولار واليورو، قلة منهم عملت بجد وغالبيتهم شغلتهم العملات الغربية، التى ظلوا لسنوات يعتبرونها رمز «الرأسمالية الملعونة».
كثيرون من أصحابه فى معسكر اليسار تنكروا لكل ما كانوا يرفعونه من شعارات عن الحرية والديمقراطية والوحدة.
أسس الرجل مركز هشام مبارك الذى لعب دورا مهما فى الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، كان شديد التواضع ويقول عن نفسه أنا بواب مركز هشام مبارك.
انحاز أحمد سيف للعدالة المجردة وللحرية وللإنسان فى كل مكان، لم يكون ثروة مالية، لكنه ترك سيرة عطرة لا يختلف عليها كثيرون، كما اعتقد.
كل من قابلوا أحمد سيف فى حياته أحبوه فورا، والأهم أنهم احترموه لأنه لم يتغير، ولم يتلون، ولم يساوم على أفكاره ومبادئه وقناعاته.
كان أحمد سيف إنسانا بحق، وسيظل مثالا لإنسانية نفتقدتها كثيرا هذه الأيام. رحم الله أحمد سيف الإسلام حمد.
والعزاء لأسرته ولكل محبيه وتلاميذه فى مصر والوطن العربى.