حينما فاجأت والدى ــ رحمة الله عليه ورضوانه ــ بسؤال عن تفسير تلك الآية «٢٨» من سورة «فاطر» (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور).. صدق الله العظيم.. ابتسم فى رضا كأنما كان ينتظر السؤال. أنفق والدى جهدا كبيرا على مدى أيام فى مراجعة تفسير الآية من وجهات نظر متعددة، دائما ما كانت تبدأ بالتفسير اللغوى المهم إلى ما يقود إليه اجتهاد الجميع من فكر: إنما الرجل عالم لأنه يخشى الله ويعرف حق قدره. فهناك عالم بالله وعالم بأمر الله والعالم الحق هو العالم بالله وحق أمره لذا فهو يخشى الله تعالى ويعلم الحدود والفرائض. الأصل فى الخشية هنا أنها صفة للعالم فهو الذى يخشى الله وليس العكس.
رغم ما بذله والدى من جهد ودأب لاقناعى بتفسير الآية على مر السنين ظل السؤال الذى سألته فى بدايات التكوين معلقا يتأرجح فوق رأسى، حاولت تجاوزه فلم أفلح. حاولت تجاهله لكنه كان حاضرا دائما فى ذهنى يدق رأسى بإلحاح كلما اشتعلت نيران نقاش علمى يستهدف الأخلاق وآداب مهنة الطب وقيم العلم. آمنت دائما بالعلم ومارست مهنة الطب عن قناعة لكنى بلا شك لا أخفى عجزى الكامل عن اتخاذ موقف واضح مبنى على الفهم حيال العديد من القضايا التى يسجل العلم فيها انتصارات متوالية على القيم والأخلاق. قضايا الإجهاض وما يطلق عليه الموت الرحيم وأطفال الأنابيب والأم البيولوجية والاستنساخ والعلاجات الجينية للأمراض المستعصية وأخيرا الحديث الدائر عن أن المثلية مردها جينات وراثية لذا فالأمر طبيعى يجب تقبله حتى لو حرمت الأديان إتيانه!
ألقى العلم حجارة كثيرة متكررة فى بحيرة القيم والأخلاق التى يعيش على ضفافها الإنسان بأعراقه المختلفة وأديانه ومعتقدانه وثقافاته المتعددة لكن هذه المرة اعتقد أن الحجر جاء أكبر من طاقة البحرية ذاتها وأنه سيحتلها كاملة وأن الصراع الذى بدأ لن ينتهى قبل أن يتغير وجه العالم تماما. يبدو أن حضارة الإنسان على أبواب النهاية وأن رحم الدنيا فى مخاضه وأن الساعة قد اقتربت ونحن فى غفلة بينما العلم يتهيأ لتسديد النقطة فى نهاية السطر ليبدأ سطر جديد فى كتاب الحياة.
فى خطوة غير مسبوقة على وجه الإطلاق سجل هذا الأسبوع عالم صينى يعمل بجامعة ميتشجن الأمريكية نتائج ظاهرة علمية مذهلة حدثت دون قصد. العالم يوشاو يعمل فى مجال الخلايا الجذعية والتى تستهدف استخدام خلايا المنشأ فى استيلاد أنسجة مماثلة وأعضاء بشرية يمكن أن تحل محل الأعضاء المريضة وهو برنامج علمى بالغ التعقيد باهظ التكلفة تتبناه الولايات المتحدة وبريطانيا خاصة رغم انتشاره الآن فى العالم.
فجأة اكتشف العالم أن هناك بعض الخلايا التى تقاربت من بعضها البعض لتشكل كرة صغيرة حين بدأت فى النمو بسرعة غير متوقعة وصورة أقرب إلى الجنين. انكب فريق العمل الذى يضم العديد من أصحاب التخصصات بالغة الحداثة على مراقبة ذلك الكيان. أرسلو صورة لمراكز مختلفة ومنها مركز متطور على الانترنت «الجنين البشرى الافتراضى» فتعرف إلى الصور على أنها جنين بشرى قيد النمو!
لذا كان من المنطقى أن يطلق على تلك الكرة الحية من الخلايا اسم «الجنين التركيبى» «Synthetic Embryo»!!
الآن: تثير تلك التجربة حوارا حادا مشتعلا بين المراكز العلمية المختلفة فى العالم لكن المتوقع بالطبع أن ذلك لن ينهى التجربة بل سيحفز الكثيرين للاستفادة منها ودراستها والاستمرار فى دفعها إلى نهاية. فهل يفلح العلم فى فك شفرة الروح؟!
اعتقد أننى بحاجة لزيارة قبر أبى ــ عليه رضوان الله ــ لأعاود السؤال وأقرأ الفاتحة لروحه الطاهرة.. وأرواحنا جميعا.