على عكس ما تتوقع ــ عزيزى القارئ ــ ليس لدى هذه المرة واقعة للتأمل ولكنى أقصد الفكرة ذاتها: أن نتأمل فى المطلق.
تأمل ينشط ذهنك، يتقد فكرك، وتحافظ على خلايا مخك من الموات والاضمحلال.
تؤكد كل الأبحاث العلمية النفسية التى تهتم بصحة العلاقة بين النفس والجسد أن الأشخاص الذين يمارسون التأمل باستمرار ــ يتمتعون بقدرات فريدة على دعم الأفكار الإيجابية والحفاظ على الاستقرار العاطفى والتوازن النفسى.
التأمل Moeditation تلك الرياضة الذهنية التى انتقلت مع العديد من مثيلاتها كـ«اليوجا» بأنواعها أو «التايشي»، التى تعتمد على فلسفات مختلفة لها مدارسها، والتى انتقلت إلى الغرب فصار بها ملتزما وصار العديد من سكانه لها تابعين بشغف.
التأمل له قواعده التى يجب الالتزام بها بحرفية، وله مدخله النفسى الذى يجب أن تتدارسه جيدا مع معلم مؤهل لذلك حتى تتمكن منه فتمارسه فى إتقان.
التأمل هنا رياضة ذهنية تعتمد على قدرتك على التركيز فى تفاصيل فكرة ما نتبناها سواء كانت تخصك شخصيا أو هى فكرة عامة تتراوح بلا شك قدرات الإنسان على التركيز، وقد يحتاج منك الأمر وقتا طويلا حتى تنجح فى التركيز بلا أى تشتت أو شرود.. إنك فى النهاية وبعد تحضيرات نفسية خاصة تجد نفسك قادرا على أن تنفصل تماما عن العالم من حولك لتفتح بابا يدلف منه إلى عالم سحرى يلفه السكون، وتطلق فيه لنفسك العنان، لتعيش لحظات تختار موضوعها بنفسك.. إنك هنا تختار أن تتحرر مما يثقل قلبك أو يتعلق بروحك من هموم وشجن للحظات تقضيها فى عالمك السرى، ثم تدريجيا تعود إلى العالم الواقعى الذى تتشارك فيه مع الجميع أفراحهم وأتراحهم مشاكلهم ومخاوفهم، لكنك فى الواقع تعود أكثر قدرة على الاحتمال والتركيز والتفاعل الإيجابى.
رأيت بعينى أحد الأساتذة الهنود الذين أجادوا التأمل إلى الدرجة التى تجعله قادرا على التحكم فى مرات تنفسه ودقات قلبه الأمر الذى يؤكد العلم أنه يتم بطريقة لا إرادية لا حيلة للإنسان معها أو أمر.
التأمل رياضة ذهنية تعكس حضارة تضرب بجذورها فى عمق تراث الإنسان يمارسها الآسيوى العادى ويدين بها البوذى ويدرسها الغرب.
ألا يدعو هذا للتأمل؟
عام جديد يبدأ ربما كان أولى بنا فيه أن نتعلم كيف نتأمل بمعنى الرياضة الذهنية وليس بمعنى أن نرصد ونحلل ونستنتج ونتوقع وننظر ونتهيأ لوقوع الكوارث.. اللهم خلاف الظنون، علها إن شاء الله سنة أمان للعالم.. اللهم آمين.