المهتم بأحوال البيئة المصرية الشعبية سيدرك على الفور ماذا أعنى بذلك التعبير الذى ينطلق به عاليا فى صوت أقرب للغناء بائع شراب العرقسوس وهو يعلن عنه بصورة بالفعل مباهية حاملا تلك القدرة الزجاجية المزينة بغطاء لامع من النحاس يصب منها شراب العرقسوس فى مهارة وقدرة استعراضية ليملأ الأكواب للشاربين.
إلى عهد قريب كنت أتخيل أن العرقسوس شراب وطنى محلى للمصريين لكنى حينما بدأت البحث عمليا فوجئت بمكانته فى أبحاث طب الأعشاب والطب البديل على مستوى العالم.
سر اهتمامى بالعرقسوس بدأ مبكرا حينما اخترت تخصص أمراض القلب لأكمل فيه مسيرتى المهنية وكان أن وهبنى الله أساتذة أفاضل يعدون علامات فارقة فى تاريخ المهنة منهم على سبيل المثال أستاذ أساتذة أمراض القلب فى بلدى: العظيم على رمزى.
كان للدكتور على رمزى طيب الله ثراه طريقة فريدة فى التدريس تجعلنا نقبل على محاضراته كأنها أيام العيد ونحرص على الاحتفاظ بكل معلومة ترد على لسانه فلها وقتها حين الحاجة إليها. كان رحمه الله قدر ما أحسن إلى كل طلابه يضع كل معلومة فى قصة تظل كالبصمة على جدار ذاكرة الطالب. منها تلك القصة التى حكاها لنا يوما عن مريض القلب الذى دفع حياته ثمنا لكوب من العرقسوس تناوله وهو يتداوى بعقار الديوكسين الداعم لعضلة القلب.
العرقسوس نبات معمر يمتد تحت الأرض فى هيئة جذور متفرعة من الخشب الليفى المتجعد منها تستخلص مكونات مشروب العرقسوس وحلوى العرقسوس. الجذر الحلو مسمى آخر للعرقسوس إذ إنه بالفعل يحتوى على مركب أحلى من السكر بحوالى خمسين مرة.
قد يستمتع الإنسان بالفعل بشراب العرقسوس لمذاقه الفريد وقد يحصل منه على فوائد محتملة ما زال العلم حتى الآن يجرى أبحاثه لإثباتها والتحرى عنها. يظل أيضا الأطباء أصحاب الرسالات ينتهزون الفرصة فى كل حين لنشر المعارف الطبية التى تساعد الإنسان على فهم طبيعة مرضه وطريقة عمل الأدوية وكيف يمكنه أن يتجنب مخاطر لها عمل مستصغر الشرر.
يحتوى العرقسوس على أحد العناصر النشطة يطلق عليه الجلسرهيزا (Glycyrrhiza) له العديد من الآثار الجانبية على صحة الإنسان وهو النوع الأغلب إذ إن هناك أنواعا من جذور العرقسوس يغيب فيها هذا العنصر.
يتداخل العرقسوس مع العديد من الأدوية الهامة التى يتناولها الإنسان خاصة مرضى القلب الأمر الذى بالفعل قد يعرضهم لمضاعفات قاسية تضاعف من أعراض المرض أو تودى بالفعل بحياتهم لا قدر الله.
أهم تلك الأمثلة التى يجب لفت النظر إليها: عقار الديوكسين الذى يعرفه دون شك كل مرضى هبوط القلب بأنواعه: تناول شراب العرقسوس يزيد من آثار الدواء الجانبية بصورة خطيرة لذا يجب تحريم شربه بصورة قاطعة. بعض أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم خاصة مدرات البول إذا ما اعترضها العرقسوس فإنه يفسد عملها ويؤدى لتراكم البوتاسيوم فى الدم. الإنسولين ومشتقات الكورتيزون وعقار الوارفرين الذى يستخدم لزيادة سيولة الدم حتى موانع الحمل تتأثر بشراب العرقسوس أيضا فيفسد مفعولها.
يظل العرقسوس شرابا مميزا فى تاريخ الشارع المصرى.. وتظل صورة بائعه الفلكلورية مصدر بهجة وانتعاش فى ذاكرة ووجدان المصريين.. كما تظل صورة الطبيب المعلم على رمزى نابضة فى عقل كل من سمع منه قصة مريض القلب الذى قضى نحبه لقاء كوب من العرقسوس.
انتبهوا يا أصدقائى.. دمتم جميعكم سالمين.