الصراع على سوريا.. أين نقف بالضبط؟ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 1 يناير 2025 7:02 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصراع على سوريا.. أين نقف بالضبط؟

نشر فى : الأحد 29 ديسمبر 2024 - 6:15 م | آخر تحديث : الأحد 29 ديسمبر 2024 - 6:15 م

إنه الصراع الضارى على سوريا مجددا.
فى ثمانينيات القرن الماضى أصدر الكاتب البريطانى الراحل «باتريك سيل» كتابا مرجعيا عنوانه: «الصراع على سوريا» عن الفترة ما بين عامى (1945) عند نهاية الحرب العالمية الثانية و(1958) مع بداية الوحدة المصرية السورية.
يوحى العنوان الفرعى لذلك الكتاب بمنهجيته واتساع نظرته: «دراسة فى السياسة العربية بعد الحرب». لم يكن ممكنا أن يكتب عن سوريا والصراع عليها بعيدا عما يحدث من تفاعلات وصدامات استراتيجيات ومصالح فى عالمها العربى، خاصة الصراع العربى الإسرائيلى.
هذه الفرضية تتأكد صحتها الآن فى أحوال تراجع عربى فادح. أين نقف بالضبط مما يحدث فى سوريا من زلازل سياسية تؤثر بالضرورة على المنطقة كلها بحكم موقعها الجيوسياسى الفريد؟ إذا لم تكن الإجابات واضحة ومحددة تفقد حرمتها واحترامها.
قد يقال إن الفعل وغيابه يتساويان فى الوضع العربى الراهن، لكنه يغفل الأثر المعنوى الذى قد يضفى على الوضع المستجد فى سوريا شرعيته. هذه مسألة غاية فى الأهمية والحساسية.
لم يكن مستغربا أن تهرول دول دولية وإقليمية للاستثمار السياسى والاستراتيجى فى الانقلاب، الذى ضرب مشرق العالم العربى مع سقوط دمشق فى قبضة جماعات إسلامية متطرفة تدمغ دوليا بالإرهاب.
الاستثمار غير الإسناد. الأول، يعمل على تطويع الوضع السورى لمقتضى تصوراته وتحالفاته دون تقيد كبير بأى التزامات سياسية، أو أخلاقية. والثانى، يعمل على انتشالها مما وصلت إليه من انهيار وما ينتظرها من مخاطر.
لم تكن تركيا وإسرائيل، على وجه التخصيص، فى انتظار دعوة من أحد للتدخل وفق مصالح واضحة ومحددة. تركيا خططت وهندست ما أطلق عليها عملية «ردع العدوان»، وإسرائيل كانت فى صورة المعلومات الأساسية وبدت مستعدة ومتأهبة للخطوة التالية.
لم تكن مصادفة بدء تلك العملية فى ذات يوم إعلان وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، يصعب تصور أن الولايات المتحدة لم تكن فى صلب المعلومات التى وصلت بالضرورة إلى إسرائيل.
التقت استراتيجيات ومصالح وانتهى أمر النظام السابق فى عشرة أيام. كان ذلك دليلا دامغا على تهالكه السياسى. نافس اللاعبان التركى والإسرائيلى بعضهما الآخر فى نسبة سقوط النظام السابق إليه قبل غيره. التركى الأكبر دورا.. لكن الإسرائيلى المستفيد الأول.
على مدى سنوات وعقود اتهم النظام الحاكم فى سوريا بالتقاعس عن تحرير الجولان المحتل، الذى أعلن «دونالد ترامب» فى ولايته الأولى موافقته على ضمه لإسرائيل. هذه نصف الحقيقة، النصف الآخر أنه لم يعترف بالدولة العبرية ولا وافق على التطبيع معها طلبا للسلامة، وكان طوال الوقت ممرا مأمونا لتمرير السلاح إلى المقاومة اللبنانية.
بين أهداف الهرولة الأمريكية إلى دمشق، عبر وزير خارجيتها «أنتونى بلينكن»، تطويع حكامها الجدد لمقتضيات أمن الدولة العبرية، وإغلاق صفحة كاملة فى الصراع مع إسرائيل.
لا شىء مجانيا فى السياسة الدولية. لم تهرع الولايات المتحدة، ولا أعطت الضوء الأخضر للاتحاد الأوروبى، أن يتبعها إلى دمشق إيمانا بقيم إنسانية ودعما للديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة فى العالم العربى! إنها المصالح الاستراتيجية أولا وأخيرا.
كان تجريد سوريا من مخزونها التسليحى وقدراتها البحثية بمئات الغارات الإسرائيلية خطوة مقصودة حتى تكون ضعيفة وتابعة، وبقاء نظامها مرهون بما تطلبه تل أبيب. تبدت فى الوقت نفسه إشارات متواترة من القيادة السورية الجديدة كإعلان أنها ليست فى وارد أى صراع مع إسرائيل. هذه مجرد بداية.
بدورها تعرف تركيا ما تريده بالضبط. الملف يتولاه وزير خارجيتها «هاكان فيدان»، الذى تابعه بأدق تفاصيله من موقعه السابق كرئيس للاستخبارات لمدة ثلاثة عشر عاما. أشرف بنفسه على هندسة الصورة التى بدا عليها «أحمد الشرع» زعيم «هيئة تحرير الشام» من عضو بالتنظيمات الجهادية المتطرفة إلى رجل دولة كلمته محسوبة ويرتدى بذلات أنيقة وربطات عنق! يقال- عادة - الطبع يغلب التطبع. الوضع ما يزال سائلا، وحقائقه سوف تتضح تباعا.
كان انفراد «هيئة تحرير الشام»، «جبهة النصرة» سابقا، المنحدرة من تنظيم «القاعدة» بتشكيل الحكومة المؤقتة دون أية مشاورة مع القوى الأخرى إشارة مبكرة لما قد يحدث فى الأيام المقبلة. نذر الفتن الطائفية بدأت تتفاعل فى الجسد السورى المنهك، قابلتها دعوات تتبنى الحسم بالقوة مع أية احتجاجات تدعو إلى المواطنة وحقوق المرأة وحماية حقوق الأقليات باسم العلمانية.
افتقدت مداخلات «الشرع» أى وضوح بشأن طبيعة الدولة ووضع الأقليات والحريات العامة، التى قال إنها معلقة على دستور لم يكتب فيه حرف واحد حتى الآن.
النزوع إلى مصادرة الحريات لا يوفر ثقة فى نجاح الحوار الوطنى الذى يدعو إليه حكام دمشق الجدد. كما لا تتوفر ثقة أخرى فى الأسباب التى دعت إلى إلغاء التجنيد الإجبارى والطريقة التى يبنى بها الجيش الجديد اعتمادا على دمج الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع. بتعبير «الشرع»: «لن يوجد سلاح خارج سلطة الدولة سواء من الفصائل المسلحة أو قوات سوريا الديمقراطية».
المعضلة هنا أنه لا توجد قواعد تلزم الجميع باحترامها، وفوضى السلاح قد تفضى إلى اشتباكات تنهك سوريا بأكثر مما هى منهكة. الملفات الملغمة كلها تقع فى مسئولية اللاعب التركى قبل غيره.
ذهبت السكرة وجاءت الفكرة - كما يقول المثل الشعبى. المهام تقارب المعضلات والانفجارات غير مستبعدة. وما بدا أنه توافق ضمنى إسرائيلى تركى مرشح للتصدع. إذا ما لجأت تركيا إلى ضم أية أراضى سورية بذريعة أو أخرى، فإن إسرائيل سوف تحتذى السلوك نفسه دون تردد. الإشارات تتضارب بين إرث الإمبراطورية العثمانية والنفى المتكرر لـ«أى انتهاك لوحدة أراضى سوريا»، بتعبير «أردوغان».
المعضلة التركية الرئيسية فى سوريا عنوانها: «الأزمة الكردية»، التى تنطوى على تداخلات أمريكية وأوروبية تضع حدا لفكرة اجتثاث الوجود السياسى الكردى، الذى يصفه «أردوغان» بالإرهابى. حسب ما هو منشور وشائع فإن تركيا أبلغت البيت الأبيض بأن «الوحدات الكردية لا يمكن القضاء عليها باستخدام منظمة إرهابية أخرى».
الحجة نفسها تنطبق على حلفاء تركيا الموصومين دوليا بالإرهاب. بلغة المصالح تطمح تركيا حسب وزير النقل والبنية التحتية لـ«عقد اتفاق مع سوريا الجديدة يرسم الحدود البحرية بين البلدين». إنها محاولة للاستثمار الاقتصادى فى «سوريا الضعيفة» لصياغة اتفاق يماثل ما جرى فرضه على ليبيا، التى تعانى ظروفا مماثلة بما أفضى إلى أزمات متفاقمة مع دول أخرى كمصر واليونان وقبرص.
رغم الضعف السياسى الظاهر فى مركز العالم العربى فإن لديه أوراقا تمكنه من التحكم بصورة أو أخرى بمسار الحوادث المتدافعة. الأوضاع المالية الحالية لا تساعد اللاعب التركى على سد فجوات الاقتصاد السورى المنهك، أو الاضطلاع بأية أدوار تمويلية لإعادة إعمار سوريا. هناك حاجة ماسة لإسناد عربى من دول الوفرة المالية. هذا كلام له ثمن سياسى، إذا ما أردنا أن تؤخذ بشىء من الجدية مقررات الاجتماع الوزارى العربى فى العقبة، وأهمها التزام القرار الأممى (2254) كـ«خارطة طريق محددة وملزمة للانتقال السياسى».
أين نقف بالضبط إذا؟! الإجابة: حيث تكون سوريا حرة تمتلك قرارها وتتسع لكل مواطنيها دون تخل عن القضية الفلسطينية، أو العودة إلى عصور الظلام.